رواية قمرية (7 زائر)


أيمن كناني

وتشاءُ أنت من الأماني نجمةً ويشاء ربّكَ أن يُناولك القمر .
إنضم
17 مارس 2020
رقم العضوية
10845
المشاركات
7,700
الحلول
1
مستوى التفاعل
30,313
النقاط
1,191
أوسمتــي
11
العمر
24
توناتي
5,222
الجنس
ذكر
LV
2
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كيفكم شو اخباركم ان شاء الله تمام اليوم اقدم لكم عملي الثاني
انا حاليا اعمل على عملين رواية جابر وهادي الثانية رواية قمرية ان شاء الله رح احاول كل ثلاث ايام انزل فصل في كلتا الروايتين انا حاليا مجهز بعض الفصول لازمها بس بعض التعديلات والنشر طبعا كل ثلاث ايام اتمنى تنال هاي الرواية اعجابكم كل الود


okEkoSA.png

اسم الرواية : قمرية
التصنيف : مغامرات, رومانسية , دراما, اكشن
الحالة : مستمرة
عدد الفصول : غير معروف
موعد نشر الفصول : كل ثلاثة ايام ان شاء الله
الكاتب : أيمن كناني

القصة :

في قرية "ذات النخيل"، وُلدت قمرية في بيت الشرف ابنة الحاكمين بقلب لا يعرف المساومة على العدالة. وعندما تمتد أيدي الفساد إلى قريتها، يظهر سعد عبقري استراتيجي يحول كل معركة إلى لعبة شطرنج يتقن قواعدها وحده. الحيلة سلاحه، والخداع فنه، والتكتيك لغته التي لا يفهمها سواه. معاً، يصنعان معادلة مستحيلة: قلب لا يتراجع أمام الظلم، وعقل لا يُهزم في ساحات الذكاء. ما يبدأ كصراع ضد فاسدين محليين، يتحول إلى ملحمة واسعة تشعل حروباً صامتة ضد قرى وحكام وممالك بأكملها. رواية طويلة تمتد عبر مئات الفصول، تروي كيف يمكن لشخصين بالحب والذكاء أن يعيدا رسم خريطة العالم من حولهما.




 

أيمن كناني

وتشاءُ أنت من الأماني نجمةً ويشاء ربّكَ أن يُناولك القمر .
إنضم
17 مارس 2020
رقم العضوية
10845
المشاركات
7,700
الحلول
1
مستوى التفاعل
30,313
النقاط
1,191
أوسمتــي
11
العمر
24
توناتي
5,222
الجنس
ذكر
LV
2
 
الفصل الأول :
العنوان: "في بيت الشرف"
الألم جاء مع الفجر.
نورة سيدة القرية، امرأة في الثلاثين من عمرها، وجه جميل رغم آثار الشمس والعمل في الحقول، عيون بنية دافئة تحمل الحكمة والكبرياء استيقظت على موجة حادة في أسفل بطنها.
توقفت للحظة، تنفست بعمق.
ثم ابتسمت.
"اليوم"، همست لنفسها. "اليوم ستأتين يا صغيرتي."
بجانبها، زوجها حارث لا يزال نائماً. سيد القرية وحاميها رجل في الخامسة والثلاثين، جسد قوي من سنوات العمل في الحقول والقتال دفاعاً عن القرية، لكن وجهه حتى وهو نائم يحمل طيبة نادرة لحاكم. ندبة صغيرة على ذقنه من معركة قديمة، شعر أسود بدأت تتسلل إليه خيوط فضية، ويداه خشنتان من حمل المحراث والسيف معاً.
لمست نورة كتفه برفق.
"حارث."
لم يستيقظ.
هزته قليلاً.
"حارث، استيقظ."
فتح عينيه ببطء، نظر إليها بنعاس، ثم فجأة اتسعت عيناه.
"هل...؟"
ابتسمت نورة، أومأت.
قفز حارث من الفراش كأن عقرباً لدغه.
"الآن؟! الآن؟! يا إلهي، ماذا أفعل؟! أين... أين القابلة؟! هل أحضر الماء؟! أم..."
ضحكت نورة رغم الألم. ضحكة عميقة، دافئة.
"يا حارث، هذه المرة الثالثة. ألم تعتد بعد؟"
"لكن... لكن..."
موجة ألم أخرى جعلت نورة تتوقف عن الضحك. أمسكت بطنها، تنفست بعمق.
حارث، رأى ذلك، ورغم ارتباكه، جثا بجانبها فوراً.
"أنا هنا. أنا هنا يا حبيبتي."
مسك يدها. يد كبيرة، خشنة من العمل في الأرض والسيف، لكن لمستها كانت أرق من الحرير.
"اذهب"، قالت نورة، تبتسم رغم الألم. "أحضر أمك. وأيقظ الأطفال. أريدهم أن يعرفوا... أن أختهم تأتي. وأيقظ شاكر، قد نحتاج مساعدته."
البيت كان متواضعاً، لكنه لم يكن فقيراً.
بيت حارث بن عامر سيد القرية وحاميها كان أكبر قليلاً من بقية البيوت، لكنه بُني من نفس الطين والخشب. طابقان بسيطان.
الطابق السفلي للمعيشة: غرفة واسعة نسبياً تُستخدم للطبخ والاستقبال (موقد حجري، بضعة أثاث خشبية بسيطة صنعها حارث بنفسه، حصير من القش المنسوج، جرار فخارية للماء والحبوب). في زاوية صغيرة، غرفة متواضعة يقيم فيها شاكر.
الطابق العلوي للنوم: ثلاث غرف صغيرة (واحدة للزوجين، واثنتان للأطفال).
لم يكن بيتاً فخماً، لكنه كان نظيفاً، دافئاً، مليئاً بالحب.
القرية نفسها "ذات النخيل" كانت متواضعة.
قرية فلاحية بسيطة، حوالي مئتا عائلة، كلهم يعملون في الأرض. حقول قمح محدودة، بساتين نخيل صغيرة، حدائق خضروات يعتني بها كل بيت. نهر صغير يمر بجوارها يسقي الأرض. سوق صغير يُقام مرة في الأسبوع. معبد واحد متواضع.
الناس هنا لم يكونوا أغنياء، لكنهم كانوا يعيشون بكرامة. يعملون بجد، يتشاركون في المواسم، يساعدون بعضهم.
وحارث ونورة حكماها بعدل وحكمة. لم يكونا يجلسان في قصر، بل كانا يعملان في الحقول مع الناس. حارث يحمل المحراث في النهار والسيف عند الحاجة. ونورة تساعد النساء في الحصاد وتحل مشاكلهم بحكمة.
لهذا أحبهم الناس.
حارث ركض وهو لا يزال يرتدي ثوب النوم إلى البيت المجاور.
بيت أمه، أم حارث (الجميع يسمونها هكذا، نسوا اسمها الحقيقي منذ زمن).
امرأة في الستين، قامة منتصبة رغم السنين، عيون حادة ترى كل شيء، لكن فيها أيضاً حنان عميق لعائلتها. يداها مليئتان بالتجاعيد من سنوات العمل والتوليد.
كانت القابلة الوحيدة في القرية. ولّدت كل سكانها تقريباً.
فتح الباب بقوة: "أمي!"
أم حارث كانت تستيقظ للتو. نظرت إليه، فهمت فوراً.
"نورة؟"
أومأ بحماس.
ابتسمت أم حارث ابتسامة عريضة.
"أخيراً! كنت أنتظر هذا اليوم." نهضت بسرعة مذهلة لامرأة في سنها، أمسكت سلتها القديمة المنسوجة من القش (مليئة بالأعشاب التي تجمعها من الحقول، الخيوط، سكين صغيرة نظيفة، كل ما تحتاجه قابلة ماهرة).
"اذهب، أيقظ الأطفال. وابقَ معهم. الرجال حتى لو كانوا سادة القرى لا فائدة منهم في غرفة الولادة إلا التوتر والإزعاج."
"لكن..."
"اذهب!" أمرت بنبرة لا تقبل النقاش.
حارث، سيد القرية الذي واجه اللصوص والوحوش، انصاع لأمه كطفل صغير.
في طريق عودته، مر بغرفة شاكر الصغيرة. طرق الباب بقوة.
"شاكر! استيقظ!"
فُتح الباب فوراً. شاكر رجل ضخم في الأربعين من عمره، أكتاف عريضة، ذراعان بحجم جذوع الأشجار، وجه صارم لكن عينيه تحملان ولاءً مطلقاً وقف مستقيماً، رغم أن ثوبه البسيط وغرفته المتواضعة تدل على حياته البسيطة.
"سيدي؟"
"نورة تلد. أحضر الماء من البئر، وسخّنه على النار. واجلب المناشف النظيفة. واملأ كل الجرار، قد نحتاج الكثير."
"حالاً يا سيدي." انطلق شاكر بسرعة مذهلة لرجل بهذا الحجم.
شاكر لم يكن مجرد خادم. كان الرجل الذي أنقذ حياة حارث مرتين في المعارك. رجل بقوة تضاهي قوة حارث نفسه، وربما تفوقها. لكنه اختار أن يخدم عائلة حارث بإخلاص، لأن حارث أنقذه من العبودية ذات مرة ومنحه الحرية والكرامة. رفض شاكر أن يغادر، واختار أن يبقى مع هذه العائلة الطيبة، يعمل معهم في الحقول نهاراً ويحميهم ليلاً.
في الطابق العلوي، في إحدى غرف النوم الصغيرة، كان طفلان نائمين على فراش بسيط من القش المغطى بأغطية صوفية نسجتها نورة بيديها.
عادل سبع سنوات. صبي نحيل، شعر أسود كثيف، عيون واسعة دائمة الفضول. ذكي جداً لسنه، يحب القصص والألغاز، دائم الأسئلة. يعرف أنه سيكون سيد القرية يوماً ما، لكنه يعرف أيضاً أن هذا يعني العمل في الحقول والعدل بين الناس، وليس الجلوس في قصر.
سلمى أربع سنوات. فتاة صغيرة، خدود ممتلئة، ضحكة معدية، تتبع أخاها أينما ذهب. الجميع في القرية يحبها.
حارث فتح الباب بهدوء، اقترب منهما.
"عادل. سلمى. استيقظوا."
عادل فتح عينيه فوراً (نوم خفيف، كعادته).
"أبي؟ ماذا حدث؟"
"أمكم... ستلد."
جلس عادل فوراً، عيناه تلمعان.
"الآن؟! أختنا تأتي الآن؟!"
"أو أخوك"، صحح حارث مبتسماً.
"لا، أختنا!" أصر عادل. "أمي قالت إنها تشعر أنها بنت."
هز سلمى الصغيرة: "سلومة، استيقظي. أختنا تأتي!"
سلمى فتحت عينيها ببطء، نظرت حولها بنعاس، ثم فجأة ابتسمت ابتسامة عريضة.
"أختي؟!"
"نعم."
صفقت بيديها الصغيرتين.
"يا إلهي! يا إلهي! هل ستلعب معي؟ هل ستحب دميتي؟ هل..."
ضحك حارث. رفعها بين ذراعيه.
"ليس الآن يا صغيرتي. عليها أن تُولد أولاً. وهذا يأخذ وقتاً."
في الغرفة البسيطة، كانت نورة مستلقية على الفراش المتواضع.
أم حارث جلست بجانبها على الأرض، تفحص الوضع بعيون خبيرة.
"كم مرة؟" سألت، تقصد الانقباضات.
"كل... عشر دقائق تقريباً"، أجابت نورة، تتنفس بعمق.
"جيد. لا تزال في البداية. ربما ساعات."
"ساعات؟!" تأوهت نورة. "أريدها أن تخرج الآن."
ضحكت أم حارث، ربتت على يدها.
"الأطفال دائماً يأتون في وقتهم الخاص، لا في وقتنا. لقد تعلمت هذا من ولادة ابني. أخذ ست عشرة ساعة."
"ست عشرة؟!"
"وكان يستحق الانتظار." نظرت أم حارث إلى الباب، حيث كان حارث يقف خارجاً، يحاول أن يسمع، قلق. "رغم أنه لا يزال يتصرف كطفل أحياناً، حتى وهو سيد القرية."
ضحكت نورة، ثم توقفت فجأة.
موجة ألم جديدة. أقوى من السابقة.
أمسكت يد أم حارث بقوة.
"تنفسي"، أمرت أم حارث بصوت هادئ، حازم. "شهيق عميق... زفير بطيء. هكذا. أحسنتِ."
نورة تنفست. الألم مر.
دخل شاكر بهدوء، يحمل جرتين كبيرتين من الماء الساخن ومناشف قماشية نظيفة غسلتها نورة بنفسها.
"سيدتي، كل ما طلبتِه." وضعها بهدوء بجانب الباب، ثم انسحب بسرعة وصمت.
"شاكر رجل طيب"، قالت أم حارث. "نادراً ما نرى من يخدم بهذا الإخلاص."
"إنه ليس خادماً"، قالت نورة بين أنفاسها. "إنه عائلة."
مرت الساعات ببطء.
الشمس ارتفعت في السماء. الضوء الذهبي دخل من النافذة الصغيرة. في الخارج، القرية استيقظت. أصوات الديوك، صياح الفلاحين وهم يتوجهون للحقول، الناس يتهامسون: "سيدتنا تلد اليوم!"
في الطابق السفلي، حارث حاول أن يشغل عادل وسلمى.
أعد لهما الإفطار البسيط ساعده شاكر خبز من قمح حقولهم، جبن بيتي، بضع تمرات، ماء من البئر. حكى لهما قصة قديمة عن جدهم الذي أسس القرية وحرث أول حقل فيها. علّم عادل بعض حركات السيف البسيطة بعصا خشبية.
شاكر وقف بالقرب، يراقب. كان يحب هذه العائلة البسيطة الطيبة.
لكن كل بضع دقائق، كان حارث ينظر للأعلى.
كان يسمع الأصوات. تأوهات نورة. صوت أمه تشجعها. وأحياناً، صمت مخيف.
"أبي، هل أمي بخير؟" سأل عادل، قلق.
"بخير يا بني. هذا طبيعي."
"لماذا تتألم؟"
حارث جلس، جذب ابنه إلى حضنه.
"لأن إنجاب الحياة صعب يا عادل. أصعب شيء في العالم. لكن أمك قوية. أقوى مني."
"حقاً؟" نظر عادل لشاكر أيضاً. "حتى أقوى من عمو شاكر؟"
شاكر ابتسم ابتسامة نادرة. "أقوى منا جميعاً، يا سيدي الصغير."
حارث أومأ. "النساء أقوى منا نحن الرجال. نحن فقط نتظاهر بالقوة بالسيوف والعضلات. لكنهن..." نظر للأعلى. "هن يحملن الحياة نفسها في أجسادهن. أي قوة أعظم من هذا؟"
عادل فكر في هذا، أومأ ببطء.
"سأكون لطيفاً جداً مع أمي بعد اليوم."
ابتسم حارث، قبّل رأس ابنه.
"هذا جيد يا بني."
عند الظهر، كانت الانقباضات أقوى، أسرع.
نورة تتصبب عرقاً. شعرها الطويل ملتصق بجبينها. يداها تمسكان حافة الفراش بقوة حتى ابيضت مفاصلها.
أم حارث كانت هادئة، محترفة، لكن عيناها كانت يقظة.
"كم الآن؟"
"كل... دقيقتين"، أجابت نورة بصعوبة.
"جيد. قريباً. قريباً جداً."
"لا أستطيع... لا أستطيع..."

"تستطيعين." أمسكت أم حارث وجه نورة بكلتا يديها، نظرت مباشرة في عينيها. "استمعي إليّ يا نورة. أنتِ سيدة هذه القرية. أنتِ من تعملين في الحقول مع النساء وتحملين المسؤولية. أنتِ ولدتِ طفلين من قبل. أنتِ أقوى مما تظنين. هذه الطفلة تريد أن تخرج. هي تقاتل أيضاً. أنتِ لستِ وحدكِ في هذا."
نورة نظرت في عيني حماتها. رأت الحكمة، الخبرة، الإيمان.
أومأت.
"حسناً. حسناً."
موجة انقباض جديدة. أقوى من أي شيء قبلها.
نورة صرخت. صرخة طويلة، عميقة، من مكان لم تكن تعرف أنه موجود في داخلها.
في الطابق السفلي، حارث سمع الصرخة. توقف قلبه للحظة.
شاكر وقف مستعداً، قبضتاه مشدودتان، كأنه يريد أن يحمي سيدته من أي خطر حتى لو كان هذا الخطر هو الولادة نفسها.
عادل أمسك يد أبيه.
"أبي؟"
حارث ابتلع، حاول أن يبقى هادئاً.
"كل شيء على ما يرام. فقط... صلّوا.
"أراها! أرى الرأس!"
أم حارث، بعد ساعات من الانتظار والعمل، رأت أخيراً ما كانت تنتظره.
"اضغطي يا نورة! الآن! اضغطي!"
نورة جمعت كل ما تبقى من قوة في جسدها المنهك. كل خلية، كل نَفَس، كل قطرة من إرادتها.
ضغطت.
صرخت صرخة أخيرة. صرخة لم تكن ألماً فقط، بل كانت نصراً. كانت تحدياً. كانت إعلاناً للكون:
"أنا أجلب الحياة!"
وفي تلك اللحظة، خرجت الطفلة.
صمت.
لحظة قصيرة، رهيبة، من الصمت المطلق.
ثم...
بكاء.
بكاء رضيع. قوي، واضح، غاضب.
أم حارث أمسكت الطفلة، قطعت الحبل السري بسكينها النظيفة، نظفتها بسرعة بالماء الدافئ والمناشف التي أحضرها شاكر.
"بنت!" أعلنت، ابتسامة عريضة على وجهها. "بنت جميلة! وسليمة!"
نورة، منهكة تماماً، لكن عيناها مفتوحتان، مدت ذراعيها.
"أعطني... إياها."
أم حارث، بلطف، وضعت الطفلة الصغيرة على صدر أمها.
نورة نظرت إلى ابنتها لأول مرة.
وجه صغير، أحمر، مجعد قليلاً (كل الأطفال هكذا). عينان مغلقتان. يدان صغيرتان بحجم زهرة، تتحركان في الهواء.
كاملة. سليمة. حية.
"أهلاً"، همست نورة، دموعها تنهمر. "أهلاً يا صغيرتي."
الطفلة توقفت عن البكاء. كأنها سمعت صوت أمها، عرفته، شعرت بالأمان.
أم حارث مسحت دموعها هي الأخرى (لم تكن تريد الاعتراف، لكن كل ولادة ناجحة كانت تجعلها تبكي).
"اسمها؟" سألت بهدوء.
نظرت نورة إلى ابنتها. كانت قد فكرت في أسماء كثيرة طوال الأشهر التسعة. لكن الآن، وهي تنظر إلى هذا الوجه الصغير، كان هناك اسم واحد فقط بدا صحيحاً.
"قمرية."
"قمرية؟ لماذا؟"
ابتسمت نورة.
"لأنها ولدت في النهار، لكنني أعرف... أعرف أنها ستضيء ظلمة أحدهم يوماً ما. مثل القمر."
أم حارث ابتسمت، ربتت على كتف نورة.
"اسم جميل. قمرية بنت حارث بن عامر، سيد ذات النخيل."
فُتح الباب بحذر.
حارث دخل ببطء هذه المرة (تعلم أخيراً أن لا يقتحم).
"نورة؟ هل أنتِ...؟"
رأى زوجته. متعبة، متصببة عرقاً، لكن تبتسم. وفي حضنها...
توقف. نظر.
ابنته.
اقترب ببطء، كأنه خائف أن يكسر شيئاً. هذا السيد القوي، حاكم القرية الذي يحمل المحراث والسيف، صار كطفل خجول.
جثا بجانب الفراش، نظر إلى الطفلة.
"بنت"، همست نورة.
"بنت"، كرر حارث، صوته مرتجف.
مد إصبعه الإصبع الخشن من العمل ولمس يد الطفلة الصغيرة بحذر شديد.
الطفلة قمرية أمسكت إصبعه بقبضتها الصغيرة.
قبضة قوية، رغم أنها وُلدت منذ دقائق.
شيء داخل صدر حارث انكسر وتجمّع من جديد في نفس اللحظة.
"قمرية"، قال بهدوء. "اسمها قمرية."
أومأت نورة.
نظر حارث في عيني زوجته. كان هناك الكثير ليقوله، لكن الكلمات لم تكن كافية.
فقط انحنى، قبّل جبينها.
"شكراً"، همس. "شكراً على هذه الهدية."
دخل عادل وسلمى بهدوء، بعد أن سمح لهم شاكر بالصعود.
"أمي!" همس عادل، عيناه واسعتان.
"تعالا، انظرا لأختكما."
اقتربا بحذر. نظرا للطفلة الصغيرة.
"صغيرة جداً!" همست سلمى بدهشة.
"كنتِ أصغر منها عندما وُلدتِ"، ابتسمت نورة.
"هل ستكبر؟"
"نعم يا حبيبتي. وستلعب معكِ في الحقول."
ابتسمت سلمى ابتسامة عريضة.
عادل نظر لأخته الصغيرة بجدية.
"سأحميها"، قال بصوت حازم لصبي في السابعة. "أنا أخوها الأكبر. سأعلمها كل شيء. كيف تحرث الأرض، كيف تحمي نفسها، كيف تكون عادلة. لن يؤذيها أحد."
ابتسم حارث، ربت على كتف ابنه.
"أعرف أنك ستفعل يا بني."
وخارج الغرفة، وقف شاكر بصمت، يسمع كل شيء، يبتسم ابتسامة نادرة.
عائلة جديدة. طفلة جديدة.
حياة جديدة في بيت الشرف البسيط.
وفي تلك اللحظة، في ذلك البيت المتواضع، في تلك القرية الفلاحية البسيطة، ولدت قمرية.
ولدت في بيت مليء بالحب والشرف.
في عائلة حاكمة، لكن بسيطة وطيبة.
حيث السيد يحمل المحراث مع شعبه.
وحيث السيدة تعمل في الحقول مع النساء.
وحيث الكرامة لا تأتي من الذهب، بل من العدل والعمل الشريف.
ولدت قمرية في هذا المكان...
لم تكن تعرف بعد ما ينتظرها.
لكن شيئاً واحداً كان مؤكداً:
هذه الطفلة، المولودة في بيت متواضع، ستغيّر العالم يوماً ما.

[نهاية الفصل الأول]
 

marwa2113

ميرا
إنضم
28 سبتمبر 2025
رقم العضوية
14897
المشاركات
59
مستوى التفاعل
653
النقاط
22
العمر
12
توناتي
0
الجنس
أنثى
LV
0
 
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
كيف حالك يا ايمن اتمنى ان تكون بخير
احببت الرواية من اول فصللولو5
كما انك اهتممت بادق التفاصيل
و التعبير رائع انت تستخدم كلمات سهلة الفهم و عميقة في نفس الوقت
وصفت كل شخصية باسلوب دقيق
تعجز الكلمات عن وصف ابداعك
استمر فانا متشوقة لرؤية المزيد من فنك
دمت في امان الله
 

المتواجدون في هذا الموضوع

المواضيع المتشابهة

أعلى أسفل