رواية ابتسامة الجزار "الموسم الأول" (3 زائر)


إنضم
1 أكتوبر 2025
رقم العضوية
14900
المشاركات
2
مستوى التفاعل
7
النقاط
0
العمر
16
توناتي
0
الجنس
أنثى
LV
0
 

📖 الفصل الأول: المطر واليوسفي 🌂🍊

السماء فوق المدينة بدت وكأنها لوح من الرصاص، محمَّلة بغيوم ثقيلة تخنق الأفق. المباني الشاهقة ارتفعت مثل جدران فولاذية، كل واجهة تلمع بشاشات إعلانات ملوّنة تبث وجوهًا مبتسمة، أدوية طويلة العمر، وحياة مثالية... كذبٌ مضيء يُغطي على واقع المدينة الكالح. في الشوارع، كان الناس ينظرون إلى الأعلى أحيانًا بفضول، ثم يعودون إلى هواتفهم أو أحاديثهم المبتذلة، غير واعين بأن الموت يسير بجانبهم كل لحظة.

في أحد تلك الأبراج العالية، جلس شاب يمد ساقيه على السطح المبلل بالندى، شعره البني الفاتح يرفرف مع نسيم ما قبل المطر، وعيناه الزرقاوان مثبتتان في عدسة منظاره. أصبعه يراقب ببرود حركة شخص يتنقل بين الزحام، قبل أن يرفع معصمه إلى فمه.

كان ذلك كازويا ميناموتو.

قال بصوت منخفض، هادئ، كأنه يناجي نفسه أكثر من أن يُصدر تقريرًا:

ـ "الهدف يتحرك... متجه للجهة الشرقية. يبدو أنه مستعجل."

لكن الطرف الآخر لم يُظهر أي توتر.

على العكس... جاء صوته عبر ساعة الاتصال بارداً، متثاقلاً، كأن الحديث عن طقس ممل:

ـ "كازو... أحدهم سرق اليوسفي من ثلاجتي."

صمتٌ قصير انقطع بضحكة مكتومة خرجت من صدر كازويا، ثم تمتم ساخرًا:

ـ "جديًا؟ نحن في وسط عملية مراقبة، وأنت... تتذمر عن فاكهة؟"

لم يأتِ أي رد سوى صوت معدني خافت... رنين خنجرٍ يُتلاعب به بين أصابع.

أخيرًا، أجاب الصوت نفسه، ببرود مطلق لا يعرف المزاح:

ـ "قلت لك... كانت آخر ثلاث حبات."

زفر كازويا ونظر مجددًا عبر منظاره نحو الهدف، بينما يرد بخفة، محاولةً لتخفيف ثقل الموقف:

ـ "على الأرجح القائد هو من أكلها... تعرف شهيته الغريبة للطعام في منتصف الليل."

من الجهة الأخرى من الخط، كان رينجي أساكورا يسير بهدوء في زقاق ضيق، خطواته بلا استعجال، كأن العالم كله بطيء حوله. يداه تلعبان بالخنجر بسلاسة، يفتح ويغلق قبضته عليه كأنه مجرد لعبة. لم يكن يبدو عليه أي أثر اهتمام، لا بالهدف، ولا بالمدينة، ولا حتى بالمهمة.

ثم بصوت خافت، أقرب إلى الهمس المتثاقل، سأل فجأة:

ـ "كازو... ما الذي حصل البارحة؟"

أجابه صديقه، وهو ما يزال يراقب من السطح، بنبرة فيها خليط من الضحك والعتب:

ـ "أنت لا تتذكر شيئًا؟... كنتَ ثملًا كليًا. أمس كانت حفلة شرب فوضوية. تحديت القائد إيروسكي سان على من يستطيع أكل أكبر كمية من اليوسفي مع الشراب... ثم انهرت بعد خمس دقائق. قضيت باقي الليل تتحدث مع الكرسي."

رنجي لم يضحك. لم يتفاعل حتى. فقط ظل صامتًا، وعيناه الزجاجيتان شاردتان في جدران الزقاق. ثم... خرج منه نفس بارد، لا هو سخرية ولا استغراب، بل مجرد برود مطلق:

ـ "... فهمت."

ضحك كازويا لنفسه وهو يهمس:

ـ "أحيانًا أشعر أنك لا تنتمي لهذا العالم أصلًا، رينجي."

لكن اللحظة العابرة تلك تكسرت فجأة حين غيّر كازويا زاوية منظاره، وعيناه ضاقتا:

الهدف توقف... واستدار ببطء، وكأنه يستشعر شيئًا.

رفع كازويا صوته قليلًا:

ـ "رينجي... انتبه. أظنه كشف أننا نراقبه."

رينجي توقّف أيضًا. رأسه مال قليلًا، والسكين في يده لمع تحت الضوء الخافت القادم من إعلان نيون مكسور. لم يتغير تعبيره... لم يُبدِ أي قلق. بل قال بجفاف:

ـ "هذا يجعل الأمر... أبسط."

وبخطوة هادئة، تقدّم نحو الظلام.

خطوات رينجي الرتيبة كانت تتردد داخل الزقاق، كل شيء فيه رتيب وكأن الزمن فقد معناه. لكنه فجأة شعر بذبذبة في الهواء... نفس خافت اقترب من خلفه، حركة جسد متشنجة تقترب بسرعة.

قبل أن يهوي السكين على ظهره، أمال جسده بخفة، دون حتى أن يقطع حديثه في الساعة. خصمه مرّ بجانبه كظل أخرق، فالتفت رينجي نصف التفافة، عينيه زجاجيتين بلا انفعال.

ـ "كازو... هذه غلطتك."

جاء صوته باردًا كجليد:

ـ "أنت من أصررت أن أشرب... رغم أنني أكره الشراب. أنت تعرف أنني أثمل بسرعة."

على السطح، كازويا كتم ضحكة عصبية وهو يجيب:

ـ "هاه، ومن قال لك أن تطيعني أصلًا؟ أنت دائمًا تتجاهل أوامري إلا في تلك... الليلة السخيفة."

الخصم هجم مرة أخرى، ضربات عشوائية محمومة، كأن الجوع يسوقه أكثر من العقل. رينجي تحرك كظلٍ ساخر من قوانين الجاذبية، يتفادى بخطوات قصيرة واهنة، وكأن جسده يرقص مع الموت بلا اكتراث.

تنهد فجأة، وصوته خرج مملًا:

ـ "هذا مزعج..."

أخرج الخنجر من يده، لم يعد يتسلى بالتفادي. عيناه ثبتتا للحظة على عنق الرجل، حيث العلامة الغريبة تحفر في جلده مثل نقش أسود متشقق. كانت شبه مكتملة... العلامة التي تعني أن صاحبها سيتحوّل قريبًا إلى مُستهجَن—تلك الكائنات التي تتجاوز حدود الإنسان، وتفقد إرادتها لصالح الجزارين.

لم يتردد.

خطوته التالية كانت انسيابًا قاتلًا؛ جسده مال للأمام، والخنجر اخترق الوتر الحساس عند جانب الرقبة.

"شْــق."

لم يكن هناك صراخ... فقط صوت الدم وهو يتفجر دافئًا على جدار الزقاق، والرجل يرتجف لحظات قبل أن ينهار، عينيه تتسعان في ذعرٍ لا معنى له، ثم يسقط جثة بلا حياة.

رينجي لم يغيّر ملامحه... لم ينظر حتى للجثة. اكتفى بمسح طرف الخنجر بكم معطفه وهو يتمتم ببرود في الخط:

ـ "انتهى."

على السطح، صمت كازويا لثانية، ثم زفر ببطء:

ـ "يا إلهي... أنت فعلاً آلة قتل، حتى وأنت تشتكي من اليوسفي."

رد رينجي بصوت خافت، عينيه شاردتان في العدم، كأن كلام كازويا مر بجانبه دون أن يلمسه:

ـ "... يوسفي."

رينجي لم يتوقف عند الجثة. خطا فوق الدم وكأنه مجرد ماء متسخ، ومضى داخل ظلال الأزقة التي تتشابك مثل متاهة. وجهته كانت محددة... المستودع القديم عند طرف الحي الصناعي، حيث يختبئ بعض الهاربين، أناسٌ يائسون يحاولون خداع قدرهم وتأخير موتهم.

كان صوته ما يزال ينساب ببرود عبر ساعة الاتصال:

ـ "أقترب من الموقع."

على السطح المقابل، كازويا عدّل من وضع منظاره، لكن فجأة انقطع صوته بــشهقة غريبة.

رينجي توقّف، رأسه مال قليلًا للجانب، وصمته المعتاد أطبق الزقاق. ثم قال ببطء:

ـ "... ما الأمر؟"

جاء صوت كازو متحمسًا، بعاطفة طفولية لا تناسب لحظة الموت:

ـ "هناك... على الشارع القريب! مكب نفايات... فيه معدات قديمة. أستطيع إصلاحها. يجب أن نعود ونأخذها قبل أن يسرقها أحد."

رنجي لم يرد.

ظل صامتًا، عيناه الزرقاوان فارغتان، والخنجر يدور بين أصابعه بلا هدف. لم يكن يستمع... عقله سرح بعيدًا، عائدًا إلى قضية أخرى أثقل عليه من حياة أو موت الآخرين:

اليوسفي.

"لو لم يأكله القائد... فهل يمكن أن كازو نفسه هو من..."

أم ربما سايوري-سان...؟

أو ربما أنا أكلته؟


أدرك فجأة أنه يكرر تحليلًا عقيمًا عن ثلاث حبات فاكهة أكثر مما يحلل خطوات العدو القادم.

على السطح، كازويا كان قد لاحظ الصمت القاتل، فاحتقن صوته غضبًا:

ـ "حقًا...؟ حقًا يا رينجي؟ أنا أتحدث عن معدات مهمة، وأنت... أنت حتى لا تستمع!"

رنجي لم يرفع صوته. بل ظل ساكتًا، كأنه غائب عن اللحظة.

صرخ كازويا أخيرًا:

ـ "كفى! أكمل المهمة وحدك. أنا عائد للمقر. أتعامل معك كالأحمق كل مرة أظن أنك تهتم..."

ثم انقطع الخط.

رنجي وقف وحده وسط العتمة، دقات المطر الأولى تتساقط ببطء فوق كتفيه. لم يبدُ عليه أثر انزعاج، لكن تمتم ببطء، كمن يواجه حقيقة يعرفها سلفًا:

ـ "... لقد غضب مجددًا."

عينيه زاغتا في الفراغ، وكأن الكلمات لم تُقل لشخص، بل لنفسه فقط.

ـ "بسبي مجددا....."

المطر بدأ يتكاثف، يطرق على الأسطح المعدنية ويملأ الشوارع برائحة الصدأ.

المستودع القديم وقف ككتلة مهترئة عند طرف الحي الصناعي، بابه الحديدي نصف مخلوع، والظلام في داخله يبتلع كل شيء.

اقترب رينجي بخطوات ثابتة، لا يخفي نفسه، وكأن ثقته أكبر من كل محاولات المراقبة.

عند العتبة، توقف للحظة... أصغى.

أنفاس متقطعة... حركة أقدام عارية فوق الأرضية... همسات خافتة تحمل خوفًا واضحًا.

إنهم هنا.

مدّ أصابعه على مقبض الباب، فتحه ببطء، حتى أن صرير الحديد غطى على ضربات المطر.

دخل، والظلام غمره كغلاف.

كانوا سبعة. رجال ونساء، وجوههم هزيلة، عيونهم تائهة، على أعناق بعضهم علامات الموت تقترب من الاكتمال. لجأوا إلى هذا المكان ليختبئوا من المنظمة... لكن ما دخل هو ليس مطاردًا بشريًا، بل هو ابتسامة الجزار الذي لا يبتسم.

أحدهم صرخ:

ـ "إنه أحدهم! اهربوا!"

انطلقت الأجساد في فوضى، محاولات يائسة للركض بين الصناديق الصدئة، أو للاختباء خلف الجدران.

رينجي لم يهرول.

بل مشى، ببطء شديد.

في الخطوة الأولى، خنجره ارتفع بخط مستقيم، اخترق حلق رجل اندفع نحوه بعصا معدنية. الدم انفجر كسحابة حمراء، والرجل سقط دون صوت.

الخطوة الثانية، انحنى قليلًا، قبض على رسغ امرأة حاولت طعنه بسكين صدئة. استدار بجسدها نصف دورة، وبدقة وضع طرف خنجره عند شريان رقبتها، طعنها بلمسة، وأسقطها قبل أن تصرخ.

ظل يتحرك مثل ظلٍ ينساب بين أركان المستودع. لا جلبة، لا ارتباك، فقط حركات مدروسة، كل طعنة في وتر، كل ضربة في نقطة قاتلة، لا تحتاج أكثر من ثانية لتهدأ ضحية أخرى.

أحدهم حاول الاختباء خلف صناديق عالية، لكنه ما لبث أن شعر ببرودة نصل يخترق جانبه.

آخر اختبأ تحت طاولة معدنية، لكن رينجي انحنى وأخرج يده ببطء، وسحب جسده للخارج كالقمامة.

كانوا يسقطون واحدًا تلو الآخر، والهدوء يعود إلى المستودع مثل ستار يبتلع كل صرخة.

بعد دقائق قليلة... لم يتبقَّ سوى الجثث الملقاة في أماكن متفرقة، والدم الذي شكل بركًا سوداء تحت أقدام رينجي.

وقف في الوسط، عينيه شاردتان. لم يكن هناك أي تعبير على وجهه، لا انتصار، لا حزن، لا شيء.

أخرج من جيبه علبة معدنية صغيرة، فتحها... وكانت فارغة.

تنهد، وصوته بالكاد يُسمع:

ـ "... لو أن عندي يوسفي الآن."

رفع رأسه نحو سقف المستودع المتهالك، حيث قطرات المطر بدأت تتسرب إلى الداخل، وسقطت على وجهه البارد كقطرات دم أخرى.

وقف رينجي وسط الجثث، المطر يتساقط من فتحات السقف المهترئ، مختلطًا بالدم الذي غطى الأرضية. نظر حوله للحظة، كأنه يتأكد من أن المهمة انتهت... ثم رفع معصمه ببطء إلى فمه.

بصوت خافت، بلا أي أثر للانفعال، قال:

ـ "هنا الوحدة الميدانية... أرسلوا فرقة التنظيف. الموقع: المستودع رقم سبعة، الحي الصناعي."

لم ينتظر ردًا. ضغط الزر، وأعاد معصمه إلى جانبه.

جلس على صندوق صدئ قرب جدار، خنجره في يده، يراقب انعكاس المطر المتساقط عليه. وجهه بلا ملامح، لكن عيناه كانتا شاردتين في مكان آخر تمامًا.

اليوسفي.

ظل صامتًا، بينما أصوات بعيدة بدأت تقترب... سيارات بلا أضواء، خطوات عسكرية منظمة، رجال بملابس سوداء وأقنعة واقية. دخلوا المستودع واحدًا تلو الآخر، لم يتحدثوا إليه، لم يسألوه.

لقد اعتادوا عليه... هو يُسقط الأهداف، وهم يكنسون الفوضى.

بدأوا يجمعون الجثث في أكياس سوداء، يمسحون الدم بالمواد الكيماوية، ويزيلون أي أثر للجريمة كأنها لم تحدث أبدًا.

رينجي لم يشاركهم... فقط بقي جالسًا، رأسه مائل قليلًا، وعيناه الرماديتان مثبتتان على العدم.

بعد دقائق، جاء أحد أفراد الفرقة واقترب منه باحترام.

ـ "الموقع أصبح تحت السيطرة، أساكورا-سان. يمكنك العودة إلى المقر."

لم يرد رينجي. نهض ببطء، أعاد خنجره إلى مكانه، ومشى نحو الباب.

حين عبر العتبة، همس بصوت بالكاد يُسمع، كأنه يتحدث لنفسه:

ـ "... سأكتشف من سرق اليوسفي."

ثم اختفى داخل المطر، تاركًا وراءه المستودع نظيفًا، كما لو لم يكن مسرحًا للموت قبل لحظات.

خرج رينجي من الأزقة الضيقة، خطواته هادئة رغم المطر الذي انهمر أكثر فأكثر.

وصل إلى الطريق الرئيسي حيث الأضواء الملونة للشاشات تنعكس على الإسفلت المبلل. رفع يده واستوقف سيارة أجرة قديمة توقفت قربه بصوت محرك متهالك.

فتح الباب، جلس في الخلف، وأغلقه بهدوء.

كان السائق رجلاً مسنًّا، رأسه أصلع من الوسط، تجاعيد وجهه غائرة، وابتسامة مترددة ارتسمت على شفتيه.

قال بصوت مبحوح وهو يقود:

ـ "مساء الخير يا بني... يبدو أنك بذلت جهدًا كبيرًا. بوركت جهودك."

لم يكد يكمل جملته، حتى انقطع كل شيء.

فجأة، برد معدني بارد استقر عند جانب رأسه.

مسدس صغير أسود، ثابت تمامًا.

اليد الأخرى أمسكت بذقنه بإحكام، دفعت رأسه للخلف قليلاً.

انعكس وجه الشاب في مرآة السيارة الداخلية: رينجي أساكورا، بارد العينين، لا أثر للارتباك في ملامحه.

قال بصوت ميت، كأنه يسرد حقيقة لا تحتمل النقاش:

ـ "... كيف عرفت أنني من المنظمة؟"

عرق بارد بدأ يتصبب على جبهة السائق. ابتسم بارتباك، محاولًا أن يبدو بريئًا:

ـ "أوه... أنا فقط خمّنت... لا شيء أكثر... مجرد حظ."

لكن رينجي لم ينتظر أعذارًا.

قاطع كلماته بصوت منخفض، ثاقب، كأن كلماته تنحت في الهواء:

ـ "كذب. أنت... قائد تلك المجموعة الهاربة. من صححت مسارهم، ومن أخفيتهم هنا."

ارتجف السائق، شفتيه ارتعشتا، لكن رينجي لم يتوقف.

مد يده بخفة وسحب ياقة معطفه إلى الأسفل، كاشفًا عن رقبته.

وهناك... كانت العلامة السوداء.

تكاد تكتمل. خطوطها المتعرجة تسري على جلده مثل حبر شيطاني، لا تفصله عن التحول سوى أيام قليلة.

عين رينجي ظلت جامدة، لا تعبير فيها.

الضغط على زناد المسدس لم يتغير... ثابت... صبور.

قال بصوت خافت، بارد، كأنه يحكم على شيء محتوم:

ـ "... مت."

ضغط خفيف على الزناد...

"طَــق."

ارتج رأس السائق إلى الجانب، الدم لطّخ زجاج النافذة، وصمتَ صوت محرك السيارة كأنه خضع لبرودة الرصاصة. مات الرجل على الفور، عيناه متسعتان كمن فوجئ أن الموت لا يحتاج وقتًا ليسأله.

رينجي، بملامح لا تتحرك، مد يده للأمام وأدار المقود ببرود ليوقف السيارة جانب الطريق. ثم أطفأ المحرك، وأخذ لحظة صامتة يراقب جثة الرجل، كأنه يتأكد أن نفسه فارغ من أي أثر.

مد يده بخفة، وبدأ يفتش السيارة.

المقاعد الخلفية... خزانة صغيرة تحت لوحة القيادة... حتى صندوق صغير مخبأ قرب المقعد.

هناك وجده: ملف أسود، مهترئ الأطراف، مليء بأوراق مطوية.

فتح الصفحات ببطء، وعيناه الرماديتان تتفحصان الكلمات المطبوعة.

الاسماء... الصور... تواريخ.

هذه ليست مجرد مجموعة من الهاربين. هؤلاء رجال ونساء قاتلوا سابقًا... مغتالون سابقون من منظمات قديمة، تخلّصت منهم السلطات قبل سنوات. أو هكذا اعتقد الجميع.

لكن هذا الرجل... السائق الميت... كان يمولهم ويُخفيهم.

صفحة أخيرة دوّن فيها موقعًا: مخزن مهجور خارج المنطقة الشرقية حي أدريون.

رينجي أغلق الملف بهدوء، وضعه تحت معطفه في حقيبته ، ثم فتح باب السيارة وخرج.

المطر كان أقوى الآن، يغسل الدم الذي بدأ يتسرب من المقعد الأمامي.

وقف للحظة، يرفع عينيه إلى السماء السوداء. قطرات المطر تتساقط على وجهه الشاحب، بينما همس بصوت لا يحمل أي نبرة:

ـ "مغتالون... سابقون."

ثم استدار، خطا بخطوات ثابتة داخل الشارع الرئيسي، ملفه الجديد تحت ذراعه.

بينما خلفه... سيارة الأجرة صارت مجرد شاهد صامت، جثة رجل عجوز ملقاة على المقود، والدم يتقطر إلى الأسفل مع المطر.







✦ ملاحظة من المؤلفة – بومني ✦

كيف عرف رينجي أن السائق هو قائد تلك المجموعة؟


من عادة رينجي أنه لا يدخل أي مكان دون أن يتفحصه أولًا. هذه العادة ملازمة له حتى في أبسط المواقف: عندما يدخل غرفته، أو أي مبنى، أو حتى سيارة أجرة. دائمًا ما يتوقف لحظة، يراقب، ثم يدخل.

حين جلس في المقعد الخلفي لتلك السيارة، لم يفعل ما يفعله الناس العاديون من مجرد الجلوس والانشغال بالرحلة. بل أمال جسده قليلًا، وترك عينيه الرماديتين تتجولان في أرجاء الداخل.

عندها لاحظ شيئًا لا ينتبه له أحد:

رف صغير بجانب المقود، تكدست فيه أوراق بشكل عشوائي. لكن ورقة واحدة تدل طرفها للخارج، وكأنها أرادت أن تكشف نفسها.

بعين مدربة، التقط رينجي الحروف الدقيقة المكتوبة عليها قبل أن يسحبها السائق بسرعة وبلامبالاة مصطنعة.

كانت العبارة غامضة لكن مألوفة

"مشروع خلق مستهجنين خالدين"

لكن ما أكّد شكوكه لم يكن العبارة فقط:

* كان على الهامش السفلي للورقة تفاصيل صغيرة مكتوبة بخط تقني ضيق جدًا: أرقام تسلسلية، رموز مختبرات، وختم شاحب لأحد الأقسام الحكومية القديمة.

أدرك رينجي أن هذه ليست ورقة عابرة، بل مستند داخلي لا يُمكن أن يحمله سائق عادي.

* كما أن السائق حين لمح أن رينجي قرأها، شد على المقود قليلاً... تلك الحركة اللا إرادية فضحت توتره.

بهذا الربط السريع، عرف رينجي أن الرجل أمامه ليس مجرد سائق أجرة... بل الممول وقائد المجموعة التي تتبع هذا المشروع.



✨المهم بومني تسلم عليكم وشكرا على قراءة روايتها✨

👋👋بااااااااااااااااااااااااااااااي

✨🌸!!لاتنسوا دعمي بتقييم روايتي والتعليق عليها
 

إنضم
13 أغسطس 2025
رقم العضوية
14862
المشاركات
4
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
سوريا🇸🇾 «سقطت النجوم كما لو كانت ملكي»🥀✨
توناتي
0
الجنس
أنثى
LV
0
 

📖 الفصل الأول: المطر واليوسفي 🌂🍊

السماء فوق المدينة بدت وكأنها لوح من الرصاص، محمَّلة بغيوم ثقيلة تخنق الأفق. المباني الشاهقة ارتفعت مثل جدران فولاذية، كل واجهة تلمع بشاشات إعلانات ملوّنة تبث وجوهًا مبتسمة، أدوية طويلة العمر، وحياة مثالية... كذبٌ مضيء يُغطي على واقع المدينة الكالح. في الشوارع، كان الناس ينظرون إلى الأعلى أحيانًا بفضول، ثم يعودون إلى هواتفهم أو أحاديثهم المبتذلة، غير واعين بأن الموت يسير بجانبهم كل لحظة.
في أحد تلك الأبراج العالية، جلس شاب يمد ساقيه على السطح المبلل بالندى، شعره البني الفاتح يرفرف مع نسيم ما قبل المطر، وعيناه الزرقاوان مثبتتان في عدسة منظاره. أصبعه يراقب ببرود حركة شخص يتنقل بين الزحام، قبل أن يرفع معصمه إلى فمه.
كان ذلك كازويا ميناموتو.
قال بصوت منخفض، هادئ، كأنه يناجي نفسه أكثر من أن يُصدر تقريرًا:
ـ "الهدف يتحرك... متجه للجهة الشرقية. يبدو أنه مستعجل."
لكن الطرف الآخر لم يُظهر أي توتر.
على العكس... جاء صوته عبر ساعة الاتصال بارداً، متثاقلاً، كأن الحديث عن طقس ممل:
ـ "كازو... أحدهم سرق اليوسفي من ثلاجتي."
صمتٌ قصير انقطع بضحكة مكتومة خرجت من صدر كازويا، ثم تمتم ساخرًا:
ـ "جديًا؟ نحن في وسط عملية مراقبة، وأنت... تتذمر عن فاكهة؟"
لم يأتِ أي رد سوى صوت معدني خافت... رنين خنجرٍ يُتلاعب به بين أصابع.
أخيرًا، أجاب الصوت نفسه، ببرود مطلق لا يعرف المزاح:
ـ "قلت لك... كانت آخر ثلاث حبات."
زفر كازويا ونظر مجددًا عبر منظاره نحو الهدف، بينما يرد بخفة، محاولةً لتخفيف ثقل الموقف:
ـ "على الأرجح القائد هو من أكلها... تعرف شهيته الغريبة للطعام في منتصف الليل."
من الجهة الأخرى من الخط، كان رينجي أساكورا يسير بهدوء في زقاق ضيق، خطواته بلا استعجال، كأن العالم كله بطيء حوله. يداه تلعبان بالخنجر بسلاسة، يفتح ويغلق قبضته عليه كأنه مجرد لعبة. لم يكن يبدو عليه أي أثر اهتمام، لا بالهدف، ولا بالمدينة، ولا حتى بالمهمة.
ثم بصوت خافت، أقرب إلى الهمس المتثاقل، سأل فجأة:
ـ "كازو... ما الذي حصل البارحة؟"
أجابه صديقه، وهو ما يزال يراقب من السطح، بنبرة فيها خليط من الضحك والعتب:
ـ "أنت لا تتذكر شيئًا؟... كنتَ ثملًا كليًا. أمس كانت حفلة شرب فوضوية. تحديت القائد إيروسكي سان على من يستطيع أكل أكبر كمية من اليوسفي مع الشراب... ثم انهرت بعد خمس دقائق. قضيت باقي الليل تتحدث مع الكرسي."
رنجي لم يضحك. لم يتفاعل حتى. فقط ظل صامتًا، وعيناه الزجاجيتان شاردتان في جدران الزقاق. ثم... خرج منه نفس بارد، لا هو سخرية ولا استغراب، بل مجرد برود مطلق:
ـ "... فهمت."
ضحك كازويا لنفسه وهو يهمس:
ـ "أحيانًا أشعر أنك لا تنتمي لهذا العالم أصلًا، رينجي."
لكن اللحظة العابرة تلك تكسرت فجأة حين غيّر كازويا زاوية منظاره، وعيناه ضاقتا:
الهدف توقف... واستدار ببطء، وكأنه يستشعر شيئًا.
رفع كازويا صوته قليلًا:
ـ "رينجي... انتبه. أظنه كشف أننا نراقبه."
رينجي توقّف أيضًا. رأسه مال قليلًا، والسكين في يده لمع تحت الضوء الخافت القادم من إعلان نيون مكسور. لم يتغير تعبيره... لم يُبدِ أي قلق. بل قال بجفاف:
ـ "هذا يجعل الأمر... أبسط."
وبخطوة هادئة، تقدّم نحو الظلام.
خطوات رينجي الرتيبة كانت تتردد داخل الزقاق، كل شيء فيه رتيب وكأن الزمن فقد معناه. لكنه فجأة شعر بذبذبة في الهواء... نفس خافت اقترب من خلفه، حركة جسد متشنجة تقترب بسرعة.
قبل أن يهوي السكين على ظهره، أمال جسده بخفة، دون حتى أن يقطع حديثه في الساعة. خصمه مرّ بجانبه كظل أخرق، فالتفت رينجي نصف التفافة، عينيه زجاجيتين بلا انفعال.
ـ "كازو... هذه غلطتك."
جاء صوته باردًا كجليد:
ـ "أنت من أصررت أن أشرب... رغم أنني أكره الشراب. أنت تعرف أنني أثمل بسرعة."
على السطح، كازويا كتم ضحكة عصبية وهو يجيب:
ـ "هاه، ومن قال لك أن تطيعني أصلًا؟ أنت دائمًا تتجاهل أوامري إلا في تلك... الليلة السخيفة."
الخصم هجم مرة أخرى، ضربات عشوائية محمومة، كأن الجوع يسوقه أكثر من العقل. رينجي تحرك كظلٍ ساخر من قوانين الجاذبية، يتفادى بخطوات قصيرة واهنة، وكأن جسده يرقص مع الموت بلا اكتراث.
تنهد فجأة، وصوته خرج مملًا:
ـ "هذا مزعج..."
أخرج الخنجر من يده، لم يعد يتسلى بالتفادي. عيناه ثبتتا للحظة على عنق الرجل، حيث العلامة الغريبة تحفر في جلده مثل نقش أسود متشقق. كانت شبه مكتملة... العلامة التي تعني أن صاحبها سيتحوّل قريبًا إلى مُستهجَن—تلك الكائنات التي تتجاوز حدود الإنسان، وتفقد إرادتها لصالح الجزارين.
لم يتردد.
خطوته التالية كانت انسيابًا قاتلًا؛ جسده مال للأمام، والخنجر اخترق الوتر الحساس عند جانب الرقبة.
"شْــق."
لم يكن هناك صراخ... فقط صوت الدم وهو يتفجر دافئًا على جدار الزقاق، والرجل يرتجف لحظات قبل أن ينهار، عينيه تتسعان في ذعرٍ لا معنى له، ثم يسقط جثة بلا حياة.
رينجي لم يغيّر ملامحه... لم ينظر حتى للجثة. اكتفى بمسح طرف الخنجر بكم معطفه وهو يتمتم ببرود في الخط:
ـ "انتهى."
على السطح، صمت كازويا لثانية، ثم زفر ببطء:
ـ "يا إلهي... أنت فعلاً آلة قتل، حتى وأنت تشتكي من اليوسفي."
رد رينجي بصوت خافت، عينيه شاردتان في العدم، كأن كلام كازويا مر بجانبه دون أن يلمسه:
ـ "... يوسفي."
رينجي لم يتوقف عند الجثة. خطا فوق الدم وكأنه مجرد ماء متسخ، ومضى داخل ظلال الأزقة التي تتشابك مثل متاهة. وجهته كانت محددة... المستودع القديم عند طرف الحي الصناعي، حيث يختبئ بعض الهاربين، أناسٌ يائسون يحاولون خداع قدرهم وتأخير موتهم.
كان صوته ما يزال ينساب ببرود عبر ساعة الاتصال:
ـ "أقترب من الموقع."
على السطح المقابل، كازويا عدّل من وضع منظاره، لكن فجأة انقطع صوته بــشهقة غريبة.
رينجي توقّف، رأسه مال قليلًا للجانب، وصمته المعتاد أطبق الزقاق. ثم قال ببطء:
ـ "... ما الأمر؟"
جاء صوت كازو متحمسًا، بعاطفة طفولية لا تناسب لحظة الموت:
ـ "هناك... على الشارع القريب! مكب نفايات... فيه معدات قديمة. أستطيع إصلاحها. يجب أن نعود ونأخذها قبل أن يسرقها أحد."
رنجي لم يرد.
ظل صامتًا، عيناه الزرقاوان فارغتان، والخنجر يدور بين أصابعه بلا هدف. لم يكن يستمع... عقله سرح بعيدًا، عائدًا إلى قضية أخرى أثقل عليه من حياة أو موت الآخرين:
اليوسفي.
"لو لم يأكله القائد... فهل يمكن أن كازو نفسه هو من..."
أم ربما سايوري-سان...؟
أو ربما أنا أكلته؟

أدرك فجأة أنه يكرر تحليلًا عقيمًا عن ثلاث حبات فاكهة أكثر مما يحلل خطوات العدو القادم.
على السطح، كازويا كان قد لاحظ الصمت القاتل، فاحتقن صوته غضبًا:
ـ "حقًا...؟ حقًا يا رينجي؟ أنا أتحدث عن معدات مهمة، وأنت... أنت حتى لا تستمع!"
رنجي لم يرفع صوته. بل ظل ساكتًا، كأنه غائب عن اللحظة.
صرخ كازويا أخيرًا:
ـ "كفى! أكمل المهمة وحدك. أنا عائد للمقر. أتعامل معك كالأحمق كل مرة أظن أنك تهتم..."
ثم انقطع الخط.
رنجي وقف وحده وسط العتمة، دقات المطر الأولى تتساقط ببطء فوق كتفيه. لم يبدُ عليه أثر انزعاج، لكن تمتم ببطء، كمن يواجه حقيقة يعرفها سلفًا:
ـ "... لقد غضب مجددًا."
عينيه زاغتا في الفراغ، وكأن الكلمات لم تُقل لشخص، بل لنفسه فقط.
ـ "بسبي مجددا....."
المطر بدأ يتكاثف، يطرق على الأسطح المعدنية ويملأ الشوارع برائحة الصدأ.
المستودع القديم وقف ككتلة مهترئة عند طرف الحي الصناعي، بابه الحديدي نصف مخلوع، والظلام في داخله يبتلع كل شيء.
اقترب رينجي بخطوات ثابتة، لا يخفي نفسه، وكأن ثقته أكبر من كل محاولات المراقبة.
عند العتبة، توقف للحظة... أصغى.
أنفاس متقطعة... حركة أقدام عارية فوق الأرضية... همسات خافتة تحمل خوفًا واضحًا.
إنهم هنا.
مدّ أصابعه على مقبض الباب، فتحه ببطء، حتى أن صرير الحديد غطى على ضربات المطر.
دخل، والظلام غمره كغلاف.
كانوا سبعة. رجال ونساء، وجوههم هزيلة، عيونهم تائهة، على أعناق بعضهم علامات الموت تقترب من الاكتمال. لجأوا إلى هذا المكان ليختبئوا من المنظمة... لكن ما دخل هو ليس مطاردًا بشريًا، بل هو ابتسامة الجزار الذي لا يبتسم.
أحدهم صرخ:
ـ "إنه أحدهم! اهربوا!"
انطلقت الأجساد في فوضى، محاولات يائسة للركض بين الصناديق الصدئة، أو للاختباء خلف الجدران.
رينجي لم يهرول.
بل مشى، ببطء شديد.
في الخطوة الأولى، خنجره ارتفع بخط مستقيم، اخترق حلق رجل اندفع نحوه بعصا معدنية. الدم انفجر كسحابة حمراء، والرجل سقط دون صوت.
الخطوة الثانية، انحنى قليلًا، قبض على رسغ امرأة حاولت طعنه بسكين صدئة. استدار بجسدها نصف دورة، وبدقة وضع طرف خنجره عند شريان رقبتها، طعنها بلمسة، وأسقطها قبل أن تصرخ.
ظل يتحرك مثل ظلٍ ينساب بين أركان المستودع. لا جلبة، لا ارتباك، فقط حركات مدروسة، كل طعنة في وتر، كل ضربة في نقطة قاتلة، لا تحتاج أكثر من ثانية لتهدأ ضحية أخرى.
أحدهم حاول الاختباء خلف صناديق عالية، لكنه ما لبث أن شعر ببرودة نصل يخترق جانبه.
آخر اختبأ تحت طاولة معدنية، لكن رينجي انحنى وأخرج يده ببطء، وسحب جسده للخارج كالقمامة.
كانوا يسقطون واحدًا تلو الآخر، والهدوء يعود إلى المستودع مثل ستار يبتلع كل صرخة.
بعد دقائق قليلة... لم يتبقَّ سوى الجثث الملقاة في أماكن متفرقة، والدم الذي شكل بركًا سوداء تحت أقدام رينجي.
وقف في الوسط، عينيه شاردتان. لم يكن هناك أي تعبير على وجهه، لا انتصار، لا حزن، لا شيء.
أخرج من جيبه علبة معدنية صغيرة، فتحها... وكانت فارغة.
تنهد، وصوته بالكاد يُسمع:
ـ "... لو أن عندي يوسفي الآن."
رفع رأسه نحو سقف المستودع المتهالك، حيث قطرات المطر بدأت تتسرب إلى الداخل، وسقطت على وجهه البارد كقطرات دم أخرى.
وقف رينجي وسط الجثث، المطر يتساقط من فتحات السقف المهترئ، مختلطًا بالدم الذي غطى الأرضية. نظر حوله للحظة، كأنه يتأكد من أن المهمة انتهت... ثم رفع معصمه ببطء إلى فمه.
بصوت خافت، بلا أي أثر للانفعال، قال:
ـ "هنا الوحدة الميدانية... أرسلوا فرقة التنظيف. الموقع: المستودع رقم سبعة، الحي الصناعي."
لم ينتظر ردًا. ضغط الزر، وأعاد معصمه إلى جانبه.
جلس على صندوق صدئ قرب جدار، خنجره في يده، يراقب انعكاس المطر المتساقط عليه. وجهه بلا ملامح، لكن عيناه كانتا شاردتين في مكان آخر تمامًا.
اليوسفي.
ظل صامتًا، بينما أصوات بعيدة بدأت تقترب... سيارات بلا أضواء، خطوات عسكرية منظمة، رجال بملابس سوداء وأقنعة واقية. دخلوا المستودع واحدًا تلو الآخر، لم يتحدثوا إليه، لم يسألوه.
لقد اعتادوا عليه... هو يُسقط الأهداف، وهم يكنسون الفوضى.
بدأوا يجمعون الجثث في أكياس سوداء، يمسحون الدم بالمواد الكيماوية، ويزيلون أي أثر للجريمة كأنها لم تحدث أبدًا.
رينجي لم يشاركهم... فقط بقي جالسًا، رأسه مائل قليلًا، وعيناه الرماديتان مثبتتان على العدم.
بعد دقائق، جاء أحد أفراد الفرقة واقترب منه باحترام.
ـ "الموقع أصبح تحت السيطرة، أساكورا-سان. يمكنك العودة إلى المقر."
لم يرد رينجي. نهض ببطء، أعاد خنجره إلى مكانه، ومشى نحو الباب.
حين عبر العتبة، همس بصوت بالكاد يُسمع، كأنه يتحدث لنفسه:
ـ "... سأكتشف من سرق اليوسفي."
ثم اختفى داخل المطر، تاركًا وراءه المستودع نظيفًا، كما لو لم يكن مسرحًا للموت قبل لحظات.
خرج رينجي من الأزقة الضيقة، خطواته هادئة رغم المطر الذي انهمر أكثر فأكثر.
وصل إلى الطريق الرئيسي حيث الأضواء الملونة للشاشات تنعكس على الإسفلت المبلل. رفع يده واستوقف سيارة أجرة قديمة توقفت قربه بصوت محرك متهالك.
فتح الباب، جلس في الخلف، وأغلقه بهدوء.
كان السائق رجلاً مسنًّا، رأسه أصلع من الوسط، تجاعيد وجهه غائرة، وابتسامة مترددة ارتسمت على شفتيه.
قال بصوت مبحوح وهو يقود:
ـ "مساء الخير يا بني... يبدو أنك بذلت جهدًا كبيرًا. بوركت جهودك."
لم يكد يكمل جملته، حتى انقطع كل شيء.
فجأة، برد معدني بارد استقر عند جانب رأسه.
مسدس صغير أسود، ثابت تمامًا.
اليد الأخرى أمسكت بذقنه بإحكام، دفعت رأسه للخلف قليلاً.
انعكس وجه الشاب في مرآة السيارة الداخلية: رينجي أساكورا، بارد العينين، لا أثر للارتباك في ملامحه.
قال بصوت ميت، كأنه يسرد حقيقة لا تحتمل النقاش:
ـ "... كيف عرفت أنني من المنظمة؟"
عرق بارد بدأ يتصبب على جبهة السائق. ابتسم بارتباك، محاولًا أن يبدو بريئًا:
ـ "أوه... أنا فقط خمّنت... لا شيء أكثر... مجرد حظ."
لكن رينجي لم ينتظر أعذارًا.
قاطع كلماته بصوت منخفض، ثاقب، كأن كلماته تنحت في الهواء:
ـ "كذب. أنت... قائد تلك المجموعة الهاربة. من صححت مسارهم، ومن أخفيتهم هنا."
ارتجف السائق، شفتيه ارتعشتا، لكن رينجي لم يتوقف.
مد يده بخفة وسحب ياقة معطفه إلى الأسفل، كاشفًا عن رقبته.
وهناك... كانت العلامة السوداء.
تكاد تكتمل. خطوطها المتعرجة تسري على جلده مثل حبر شيطاني، لا تفصله عن التحول سوى أيام قليلة.
عين رينجي ظلت جامدة، لا تعبير فيها.
الضغط على زناد المسدس لم يتغير... ثابت... صبور.
قال بصوت خافت، بارد، كأنه يحكم على شيء محتوم:
ـ "... مت."
ضغط خفيف على الزناد...
"طَــق."
ارتج رأس السائق إلى الجانب، الدم لطّخ زجاج النافذة، وصمتَ صوت محرك السيارة كأنه خضع لبرودة الرصاصة. مات الرجل على الفور، عيناه متسعتان كمن فوجئ أن الموت لا يحتاج وقتًا ليسأله.
رينجي، بملامح لا تتحرك، مد يده للأمام وأدار المقود ببرود ليوقف السيارة جانب الطريق. ثم أطفأ المحرك، وأخذ لحظة صامتة يراقب جثة الرجل، كأنه يتأكد أن نفسه فارغ من أي أثر.
مد يده بخفة، وبدأ يفتش السيارة.
المقاعد الخلفية... خزانة صغيرة تحت لوحة القيادة... حتى صندوق صغير مخبأ قرب المقعد.
هناك وجده: ملف أسود، مهترئ الأطراف، مليء بأوراق مطوية.
فتح الصفحات ببطء، وعيناه الرماديتان تتفحصان الكلمات المطبوعة.
الاسماء... الصور... تواريخ.
هذه ليست مجرد مجموعة من الهاربين. هؤلاء رجال ونساء قاتلوا سابقًا... مغتالون سابقون من منظمات قديمة، تخلّصت منهم السلطات قبل سنوات. أو هكذا اعتقد الجميع.
لكن هذا الرجل... السائق الميت... كان يمولهم ويُخفيهم.
صفحة أخيرة دوّن فيها موقعًا: مخزن مهجور خارج المنطقة الشرقية حي أدريون.
رينجي أغلق الملف بهدوء، وضعه تحت معطفه في حقيبته ، ثم فتح باب السيارة وخرج.
المطر كان أقوى الآن، يغسل الدم الذي بدأ يتسرب من المقعد الأمامي.
وقف للحظة، يرفع عينيه إلى السماء السوداء. قطرات المطر تتساقط على وجهه الشاحب، بينما همس بصوت لا يحمل أي نبرة:
ـ "مغتالون... سابقون."
ثم استدار، خطا بخطوات ثابتة داخل الشارع الرئيسي، ملفه الجديد تحت ذراعه.
بينما خلفه... سيارة الأجرة صارت مجرد شاهد صامت، جثة رجل عجوز ملقاة على المقود، والدم يتقطر إلى الأسفل مع المطر.
✦ ملاحظة من المؤلفة – بومني ✦
كيف عرف رينجي أن السائق هو قائد تلك المجموعة؟

من عادة رينجي أنه لا يدخل أي مكان دون أن يتفحصه أولًا. هذه العادة ملازمة له حتى في أبسط المواقف: عندما يدخل غرفته، أو أي مبنى، أو حتى سيارة أجرة. دائمًا ما يتوقف لحظة، يراقب، ثم يدخل.
حين جلس في المقعد الخلفي لتلك السيارة، لم يفعل ما يفعله الناس العاديون من مجرد الجلوس والانشغال بالرحلة. بل أمال جسده قليلًا، وترك عينيه الرماديتين تتجولان في أرجاء الداخل.
عندها لاحظ شيئًا لا ينتبه له أحد:
رف صغير بجانب المقود، تكدست فيه أوراق بشكل عشوائي. لكن ورقة واحدة تدل طرفها للخارج، وكأنها أرادت أن تكشف نفسها.
بعين مدربة، التقط رينجي الحروف الدقيقة المكتوبة عليها قبل أن يسحبها السائق بسرعة وبلامبالاة مصطنعة.
كانت العبارة غامضة لكن مألوفة
"مشروع خلق مستهجنين خالدين"
لكن ما أكّد شكوكه لم يكن العبارة فقط:
* كان على الهامش السفلي للورقة تفاصيل صغيرة مكتوبة بخط تقني ضيق جدًا: أرقام تسلسلية، رموز مختبرات، وختم شاحب لأحد الأقسام الحكومية القديمة.
أدرك رينجي أن هذه ليست ورقة عابرة، بل مستند داخلي لا يُمكن أن يحمله سائق عادي.
* كما أن السائق حين لمح أن رينجي قرأها، شد على المقود قليلاً... تلك الحركة اللا إرادية فضحت توتره.
بهذا الربط السريع، عرف رينجي أن الرجل أمامه ليس مجرد سائق أجرة... بل الممول وقائد المجموعة التي تتبع هذا المشروع.
✨المهم بومني تسلم عليكم وشكرا على قراءة روايتها✨
👋👋بااااااااااااااااااااااااااااااي
✨🌸!!لاتنسوا دعمي بتقييم روايتي والتعليق عليها
 

المتواجدون في هذا الموضوع

المواضيع المتشابهة

أعلى أسفل