S a n d r a - 25\January\2025
-
صوت طرقٍ للباب -
بدأ الباب يُطرَق، فقام صهيب من مكانه لينظر من خلف الباب.
فتح الباب فإذا بفتاة تلبس كمامة تغطي بها فمها وتغطي شعرها بقلنسوتها.
"من أنتِ؟ وماذا تريدين؟"
ردّت سيرين قائلة: "هذا بيت رغد أليس كذلك؟ أنا صديقتها."
كانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها صهيب سيرين، كان يعرف من رغد أن هناك فتاة تدعى سيرين،
وأنهما صديقتان، ولكن صدمته شخصية سيرين؛ فقد توقّعها شخصًا خجولًا يميل لنفس ما تميل له رغد.
ولو أنه بمجرد نظره إليها شعر بشيء غريب
قاطع تفكيره صوتُ سيرين تسأله: "هل تعرف أحدًا في هذا البيت يُدعى صهيبًا؟"
رحّب صهيب بها وأخبرها أنه هو صهيب: "تفضلي يا ابنتي، اجلسي. ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟"
تستطيعين الارتياح وفك تلثمك .
ولكن سيرين لم تستجب لطلبه
لم يكن من عادة سيرين التمهيد لمواضيعها، فقد كانت صراحتها تزيد عما يجب أن تكون عليه:
"تعرف أن أم رغد مختطَفة، صحيح؟ بكل هدوء تذكّر أيَّ شيء قد يفيدنا في استدعاء الشرطة واللحاق برغد."
لم يستوعب صهيب ما قالته سيرين بدقة... "أين هي رغد أساسًا؟"
ردّت عليه سيرين بنبرة مباشرة: "لقد فككنا الرسالة وحللنا القضية، ورغد في طريقها لتُلقي القبض عليه."
توقّف الزمن لحظةً لدى صهيب، لم يشعر بيده التي أفلتت فنجان قهوته التي يحبها.
جرى الخوف في جسده أسرع من مجرى دمه ليقول بكل تلقائية: "ماذا قلتِ؟ أتمزحين معي؟
ذهبت رغد لتُلقي القبض عليه؟ ألا تعرفان مع من تتعاملان؟ لقد وقعتم في أكبر خطأ ممكن."
كاد قلب صهيب يتوقف من الصدمة، فهو يعرف الخاطف جيدًا...
شخصٌ كهذا لا تستطيع رغد أبدًا التعامل معه.
بدأ صهيب يفقد السيطرة على عقله، لم يُهدّئه سوى صوت سيرين تقول له:
" فقط قل لي: كيف ومتى بدأ هذا الأمر؟
من الشخص المسؤول عن كل هذا؟!
واعتمد عليّ... أنا سأجد حلًا لإنقاذ الجميع."
لقد تأكدت من ريان الآن من الوضع هناك، ولا أظن أننا نتعامل مع شخص سهل أبدًا .
على الجانب الآخر، كان ريان قد استدعى بعض فرق الإسعاف لأخذ الفتاة المصابة ومعالجتها.
ابتعد ريان مسافة مناسبة وهو يحمل الفتاة، كي لا يثير أي متاعب، ولم يتصل بالشرطة أيضًا، لأنه توقّع أن الوضع قد يكون مراقبًا، والقاتل يمسك الآن برهينة.
أي حركة متهورة قد يندم الجميع عليها.
اكتفى بأن يُعلِم سيرين بالأمر وينتظر الخطوة القادمة.
في مكانٍ ما، فتحت رغد عينيها لترى نفسها مربوطة ومبتلّة، بينما شخصٌ يجلس على كرسي في الأعلى، واضعًا إحدى رجليه فوق الأخرى.
سمعته يقول بنبرة مرعبة:
"أهلًا بكِ، أيتها الصغيرة."
لم تكن الرؤية واضحة بالنسبة لرغد، ولكن أذنيها لم تخطئا السمع أبدًا... هذا الصوت المرعب.
صحيحٌ أنه ثقيل، لكنه ليس بصوت رجل أبدًا؛ كان من الواضح جدًّا لرغد أنه صوت امرأة.
حتى أنها كانت ترتدي حذاءً ذا كعبٍ عالٍ... إنها امرأة.
لكن رغد لم تنكر للحظة أن صوتها كان ثقيلًا، لم تكن تصفه فقط، وإنما كانت تتكلم عن شيءٍ غير محسوس.
صوت هذه المرأة كان ثقيلًا على أذني رغد، صوتًا لا يعرف الرحمة أبدًا.
كل خلية في جسدها شعرت بأن الشخص الماثل أمامها هو عدوّ واضح.
من شدّة ارتجافها، لم تعرف أترتجف بردًا أم خوفًا.
جميع أطرافها المقيدة بدأت تخرج عن سيطرتها، فلم تكن تحسّ بيديها أو قدميها بأي شكلٍ من الأشكال.
مع أن قدمها كانت حرّة، إلا أن رغد لم تشعر بذلك أبدًا.
وبينما هي غارقة وسط كل تلك الأفكار، وجدت ذلك الشخص ماثلًا أمامها.
كانت لا ترى بوضوح أبدًا؛ قد يكون ذلك بسبب انخفاض درجة حرارة جسدها، أو بسبب تشتّت تفكيرها.
ولكن لم يكن هناك وقتٌ للتفكير، حيث أحسّت بيدٍ دافئة تمسك رقبتها، وسمعت صوتًا يقول:
"لقد تركتُ حذائي بالأعلى، وابتلّت قدماي بسبب المسبح الذي يمتلئ تدريجيًا.
كي تعلمي أنني أؤذي نفسي فقط لأحادثكِ، أيتها الصغيرة.
جسدكِ باردٌ جدًا، أليس كذلك؟
هل تستطيعين الكلام أصلًا؟ أم أنكِ تتجمّدين بردًا؟
لم نبدأ بعد... هذا لا شيء ممّا سوف ترينه معي يا جميلتي.
أترين ما الذي أحمله بيدي؟"
كانت الرؤية بالفعل مشوشة عند رغد، لكنها رأت ما يشبه الدلو في يدها،
وتأكدت بعدما انسكب عليها ماءٌ زمهرير جعل جسدها ينتفض من شدة البرد.
ارتفع نبض رغد، وزادت سرعة تنفسها، وبدأت تفقد الوعي تدريجيًا.
كانت تريد أن تصرخ بأعلى صوتها، ولكن فكّها عجز عن الانفتاح، حتى أنها بدأت تسمع طنينًا في أذنيها.
بالكاد شعرت بيدٍ تضغط على قلبها لتتحسّس نبضه.
كانت يد الشخص الذي أمامها، حيث أنزل القلنسوة من على رأسه، وخلع ما كان يغطي وجهه، لتظهر فتاة بعيونٍ باردة.
لها عيونٌ بنية غامقة، لدرجة أن من يراها من بعيد يظنها سوداء.
ولكن مجرد النظر في عينيها يخبرك أن هذه الفتاة تهديدٌ حيّ.
عيونٌ باردة، بل تكاد تبدو ميتة من شدة البرود، ينسال شعرها على جانبي وجهها،
شعرٌ لا يتخطى رقبتها من حيث الطول، ولكن سواده يتناسق مع عينيها تناسقًا خياليًا.
فتاة طويلة القامة، تكاد رغد وهي معلّقة أمامها تصل إلى رقبتها لا أكثر.
تقيس نبض رغد وتقول بكل برود:
"لماذا نبضكِ يزيد ثم يقل فجأة؟
هل يحاول جسدكِ التغلب على شدة البرد، لكنه يتجمّد في صمت؟
لقد أحببتُ صوت نبضكِ المنخفض أكثر... سأعود بعد لحظة!!"
رغد لا تستطيع التنفس حتى، تلتقط أنفاسها بصعوبة شديدة، تشنّج فكّها من شدة البرد.
حتى أنها لم تعد ترى أو تسمع جيدًا، ويصاحبها صوت طنينٍ مستمر في أذنيها.
ولكن، بين كل ذلك، رشَّتها تلك الفتاة بماء يكاد يكون مغليًا من شدة حرارته.
بعكس المتوقع، لم يُدفئ هذا الماء جسدها، لكنه ساعد أغلب عضلاتها على الانقباض بشكل مفاجئ، مما جعل رغد تصرخ ألمًا.
هناك صوت يناديها من فوقها:
"أتشعرين بتحسُّن قليلًا؟"
لم تكن تلك الفتاة شخصًا يُعذِّب لأول مرة في حياته، بل كانت تعرف أن الماء الساخن سيجعل رغد تتألم أكثر،
خصوصًا أن البرد سيشتد بعد قليل.
وبدأ المسبح يصل إلى بداية ساقي رغد، ولكن السؤال الذي ارتكز في ذهنها كان سؤالًا من كلمة واحدة:
"لماذا؟"
لماذا تفعل تلك الفتاة كل هذا؟
لماذا كانت أمي مربوطة وعليها علامات تعذيب؟
ما الذي يحدث هنا؟
ولكن جاءتها الإجابة عندما وجدت تلك الفتاة تمسك بقلادتها التي كانت على رقبتها، لتقرأ اسمَي "رغد وريهام" المنقوشَين بجمال شديد:
"إذًا، أنتِ حقًا ابنة ريهام!
تشبهينها بشدة، ولكن ملامحكِ تبدو أجمل بكثير.
لهذا لم أَسكب عليكِ ماءً مغليًا، لكي لا يتشوه هذا الوجه الطفولي الجميل.
فأنا لا أريد أن أكون سببًا في دمار حياتكِ أيضًا.
فقط أخبريني أين هو؟ وسأتركك بعدها تعيشين حياتكِ بشكل طبيعي مع والدتكِ."
نظرت رغد باستنكار شديد:
"أين هو؟! ما هو أساسًا؟ لا أملك أدنى فكرة عما تتحدثين.
ومن أنتِ؟ وكيف تعرفين أمي؟
وأيضًا.........."
وضعت تلك الفتاة يدها على فم رغد قائلة:
"لا تُكثري عليّ الأسئلة.
أسألكِ عن الختم الذي خبَّأه والدكِ لديكِ،
الختم الذي هربت به أمكِ وتركته معكِ،
الختم الذي لم ينطق بمكانه حتى آخر لحظات عمره."
أما عن اسمي... فأنا أكره أن يعرفه أحد.
ولكن بما أنكِ ستموتين ولا يُرجى لحياتك أمل، فيجب أن تعرفي اسم من سيقتلكِ.
"يمكنكِ أن تناديني: هبة."
أمسكت هبة رغد من رقبتها، وكانت ترتدي خاتمًا يخرج منه نصلٌ حاد صغير يلامس رقبة رغد.
ثم قالت بنبرة هادئة ولطيفة، ولكنها كفيلة بأن تزرع الرعب في كل شبر من جسد رغد:
"والآن يا صغيرتي...
ما رأيكِ أن تخبريني بمكان ذلك الختم؟"
توقفت رغد عن الاستيعاب للحظة: أي ختم؟
ما الذي يحدث؟!
كان صهيب قد بدأ يروي لسيرين ما حصل قبل 16 عامًا من الآن.
تنهد طويلًا ثم أردف قائلًا:
"لا أعلم إن كان الإحساس قد ينتقل بمجرد نقل الحكاية أم لا،
لكن الأمر كان مهمًا لكريم لدرجة أنه كان مستعدًا للتضحية بحياته حفاظًا عليه."
للتنويه فقط، كيلا يلتبس الأمر عليكِ، كريم هو والد رغد.
وبعد ميلاد رغد بعامين، وكانت أحب إليه من كل شيء، اندلع حريق في بيت كريم بينما هو بالخارج، لكنه كان قريبًا من المنزل.
وبمجرد رؤيته للنيران من مسافة بعيدة، ركض بأقصى سرعته حتى اقترب من الباب.
صادفه رجل كان يتمشى في الأنحاء، رجل ذكي فطن، تفهّم الموقف ولم يسأل كريم سوى سؤال واحد:
"هل يوجد أحد بالداخل؟"
رد كريم بتوتر: "نعم، زوجتي وابنتي بالداخل."
كان من الغريب أن الرجل سبق كريم إلى المنزل، ودخلا معًا حتى وصلا إلى معظم أنحاء البيت، ولم يجدا أثرًا لا لرغد ولا لريهام.
لم يتبقَ سوى غرفة النوم، وكانت في أقصى نقطة من البيت.
بدأ كريم يشعر بالاختناق والدوار، ولم يسعفه جسده على الاستمرار،
بعكس الرجل الذي كان معه، والذي تصرف ببطولة ودخل الغرفة ووجد رغد وريهام بالفعل في الداخل.
وقد كانت النيران قد تفشت في المبنى، وخصوصًا جهة الباب لقرب المطبخ، الذي كان مصدر الحريق.
عندما رأى كريم زوجته وابنته، حاول جاهدًا حمل رغد، وكانت تبلغ عامين آنذاك،
وغطّاها بملاءتها ليحمي رئتيها، ولكن توقفت كل الآمال وتلاشت الأفكار حين رأى أن النار تسد الباب.
شعر لوهلة أن هذا هو المخرج الوحيد، وأنهم هالكون لا محالة.
لم يُفِقه من ذهوله إلا صوت انكسار زجاج نافذة غرفة المعيشة.
مع أن النافذة كانت ذات قفل عادي، إلا أن شدة الحرارة جعلت كسر الزجاج أسهل.
أخذ الرجل ريهام وساعدها على الخروج، ثم أخذ رغد من كريم وخرج بها،
ثم خرج كريم بسلام هو الآخر من البيت.
بعد عشر دقائق تقريبًا، وبينما كانوا يستريحون على ناصية الطريق،
لاحظ كريم أن الرجل يلف يده بالملاءة التي كانت تغطي رغد.
لم يتساءل في تلك اللحظة: كيف انكسر الزجاج؟
ظنّ أنه كسره بأي شيء حاد.
لكنه أدرك لاحقًا أن الرجل كسر الزجاج بقبضته ثم ركله لتناثر ما تبقى.
كانت يده تنزف بشدة.
أخذ كريم زوجته وابنته إلى منزلي وقتها، وطلب مني العناية بهما،
ثم ذهب هو والرجل مسرعين إلى المستشفى.
رغم أن الرجل كان يصرّ أنه بخير وأن كريم هو من يحتاج للراحة،
أصر كريم على الذهاب به، فهذا أقل ما يمكن أن يقدّمه له.
كان اسم ذلك الرجل "براء".
منذ ذلك اليوم، لم أرَ شخصًا يدين له كريم بحياته كما كان براء.
كان براء شخصًا غامضًا، يبعث هالة سوداوية واضحة،
هادئًا تحيطه الأسرار من كل جانب،
لكنه كان لطيفًا دومًا، ويهتم برغد وكأنها ابنته.
استمرت معرفة كريم ببراء تسع سنوات،
لم تكن صداقة حقيقية، بل مجرد معرفة قائمة على الوفاء.
كان كريم يسأل دومًا عن أحواله، ويعرض المساعدة،
يشعر بثقل الدين الذي يحمله تجاهه.
ومع مرور السنوات، أصبح براء يبتسم دون أن يطلب شيئًا،
إلى أن قال ذات يوم: "لقد أصلحت في قلبي ما كان فاسدًا."
جاء تفسير عبارته متأخرًا.
منذ تسع سنوات، بدأ كل شيء ينهار.
كان براء نائبًا لأحد زعماء العصابات، وكان يثبت منصبه بختم يمنحه الزعيم للأجدر.
ذلك الختم كان يمكن الزعيم ونائبه فقط من فتح خزائن المال والأسلحة.
ومنذ تعرّفه على كريم، بدأ قلبه يلين، وابتعد عن طريق الشر تدريجيًا.
إلى أن مات الزعيم، وتولى براء القيادة، فأعلن حل العصابة، مؤكدًا أنهم ارتكبوا الكثير من الجرائم.
لم يطعه أحد، لكن بما أنه يمتلك الأختام، كان يتحكم بكل شيء.
هرب براء، ولم يجد شخصًا يثق به ليحتفظ بالأختام سوى كريم.
كان من الجنون قبول كريم بذلك، لكنه بابتسامة قال: "الآن أفديك بحياتي، وأردّ لك جميلك."
ومنذ ذلك اليوم، اختفى براء، ولا أستبعد أنه قُتل.
هرب كريم إلى مكان بعيد، لم يُرِد أن يورّط ريهام أو رغد،
لكن ريهام أصرت على مرافقته، وتركَت ابنتها وكل شيء خلفها لدعمه.
تركتها لديّ.
قاطعت سيرين حديث صهيب قائلة:
"لماذا لم يتخلص من الختم؟ لماذا حمله معه؟"
أجاب صهيب بهدوء:
"الختم لم يكن بحوزته، بل كان يعلم أنهم سيستهدفونه على أية حال إن شَكّوا به.
لذا وضع الختمين في مكان آمن، واستخدم قلادتين بسيطتين:
واحدة لريهام، وأخرى لرغد.
إذا وضعت قطرات من دم رغد في فتحة قلادة ريهام، تظهر ختم النائب.
وإذا وُضع دم ريهام على قلادة رغد، يظهر ختم الزعيم.
كانت تلك وسيلته لحمايتهما من أي ضغط أو تهديد."
تخلى كريم عن رغد حين لاحقته العصابة، وكانوا يضايقونه من وقت لآخر.
قبل سنتين قبضوا عليه، ومنذ سنة قبضوا على ريهام.
ومنذ ذلك الوقت، لم يصلني منها سوى رسالة واحدة،
تحذر من فتاة بلا مشاعر، تترأس العصابة، وستفعل أي شيء لتحصل على الختم.
الفتاة تسعى إلى كنز يعتقد أنه مخفي بختم الزعيم،
كنز لم يعرف كريم ما هو، لكنه يعلم أن براء أخفاه لوقف جرائمهم.
كان كريم مستعدًا للموت، لكنه لم يكن ليسلم لهم الختم.
ومنذ تلك الأيام، لم أسمع عن كريم أو ريهام إلا تلك الرسالة،
التي أمسكتها رغد.
لم تبدُ سيرين متأثرة، لكنها ربتت على كتف صهيب وقالت بثقة:
"ثق بي... أنا أستطيع إنهاء كل هذا."
في مكانٍ آخر،
كان الماء قد وصل إلى ركبتي رغد، وهي تحاول استجواب هبة عمّا حدث لوالديها.
لكن هبة لم تُجب إلا بسؤال واحد:
"أمتأكدة أنكِ لا تعلمين مكان الختم؟"
أجابت رغد سؤالها بسؤال:
"أين والداي؟"
تركت هبة المكان، ونزلت للأسفل قائلةً ببرود:
"لا أرى منكِ أي فائدة... توقعتك ممتعة أكثر من ذلك.
حتى شعركِ بدأ يغزوه بعض الشيب. خيّبتِ أملي حقًا."
ثم وقفت أمامها وقالت بنبرة تهكم:
"أنتِ جبانة وفاشلة... وستلحقين بأمك وأبيك."
في تلك اللحظة، شعرت هبة بدوار مفاجئ!
لقد ركلتها رغد في ذقنها، وهي ترمقها بنظرة حقدٍ أعمى، وقالت بنبرة حاقدة:
"أظن أنكِ نسيتِ تقييد قدمي."
ضحكت هبة ضحكة هستيرية وتراجعت للخلف:
"نعم، هذا ما أريد... تلك النظرة!
أتراجع عن كلامي، بالفعل أنتِ شجاعة ومميزة.
لكي تعوضي فرق الطول بيننا وتتمكني من ركلي، فذلك يحتاج لياقة فريدة.
وبغض النظر عن أن يديكِ مقيدتان، مما يصعّب حركتك...
لابد أن يديكِ تنزفان من خشونة القيود التي تحيط بهما."
ثم أردفت باحترام ساخر:
"احترامًا لغبائكِ وشجاعتكِ، سأُجيبك عن سؤالك:
لقد قتلت والدكِ منذ بضعة أشهر.
كنت قد حبسته لعام كامل لتعذيبه والضغط عليه.
ولأزيد عليه العبء، أحضرت زوجته لتكون سلاح ضغطٍ أخير.
لكنه رفض تسليم الختم، فقتلته.
أما عينا تلك المرأة، فلم تخلُ من الحقد، كأنها تعرف مكان الختم ولن تخبرني به أبدًا.
وعندما ترجّتني أن أرسل لكِ رسالة، توقعتُ أنها تطلب النجدة.
لكنني لم أتوقعكِ حمقاء لتأتي وحدك!
كنت أنوي استخدامكِ للضغط عليها أكثر، لكنكِ مملّة...
مملّة جدًا!
لا تتوقفين عن محاولة جمع المعلومات وكأنني لم ألاحظ لاقط الصوت في معطفكِ.
حمقاء، غبية، فاشلة، متهوّرة!
أظن أن هذه الأوصاف تليق بك."
أخرجت هبة من يدها جهاز تحكم، وضغطت على زر ليبدأ منسوب الماء بالارتفاع تدريجيًا.
ثم التفتت إلى رغد بنظرة شفقة مصطنعة:
"وداعًا أيتها الجميلة... سأحرص على أن تلحق أمكِ بكِ سريعًا."
أما رغد، فكانت مدلدلة الرأس، وكأنها محطّمة، تنتظر مصيرها...
لكنها ابتسمت فجأة ابتسامة انتصار ساخرة، وقالت:
"أنتِ مغفلة حقًا."
لم تمر سوى ثوانٍ، حتى بدأ الماء يصل إلى فم رغد ليُسكتها.
جلست هبة على كرسيها تنتظر موتها بفارغ الصبر.
بينما كان الماء يُغرق رغد بالفعل، ويجمّد أطرافها من برودته، راحت رغد تتساءل:
هل ما أفعله صحيح؟
هل هذه نهايتي حقًا؟
هل يمكنني الوثوق بها؟
كنت مستعدة للموت، ولكن أريد قتل تلك الحقيرة...
عيناها لم ترمقاني إلا بنظرة احتقار، وكأنني لا أستحق وقتها.
لقد قتلت العشرات، بل المئات.
كانت تتحدث عن جريمتها كأنها قصة عادية، وكأن التفاصيل لا تهم.
هل سأموت الآن؟
اختفى جسد رغد في المسبح، ولم يبقَ سوى شعرها الذي كان يطفو فوق الماء.
هبة، من جهتها، كانت قد أدارت ظهرها، غير مبالية بمشهد احتضارها.
— صوت إعادة تذخير! —
التفتت هبة بذهول، لترى ريهام...
تلك التي من المفترض أن تكون مقيدة في الداخل، تنتظر الموت مثل ابنتها وزوجها،
لكنها الآن كانت تشير نحوها بمسدسٍ مزوّد بكاتم صوت.
موقف مشحون بالتوتر، لكن هبة بدأت تضحك بهدوء:
"أليس هذا مسدسي؟
سرقتِه مني بينما جعلتُكِ تكتبين الرسالة وقتلتِ الحارس؟
كتبتِ الرسالة وكنت تعلمين أن ابنتك قادمة لتشغليني عنكِ؟
ذكية جدًا... أرفع لكِ القبعة.
لكن ابنتكِ التي جاءت لتنقذكِ، غارقة في ذاك المســ..."
قاطعتها ريهام بنبرة باردة:
"ستُفرغين المسبح... قبل أن أُفرغ الرصاص في رأسك."
ابتسمت هبة ابتسامة إعجاب مريرة:
"أنتِ رائعة حقًا... لقد أصبحتِ قاتلة.
قتلتِ الحارس، وستقتلينني لتحرري ابنتك من هذا العذاب..."
لكن فجأة، التفتت كلٌّ من هبة وريهام نحو المسبح، وارتسمت على وجهيهما علامات الذهول.
"ما الذي يحدث؟!"
صرخت هبة وقد دبّ فيها الجنون.
لماذا المياه سوداء؟
لماذا يطفو شعر رمادي اللون؟
هل هذا شعر رغد؟ ألم يكن أسودًا؟
هل كانت مجرد صبغة؟
وعندما سكبت عليها الماء الساخن، بدأت الصبغة تزول؟
رمادي؟ ملامح أجنبية؟
لا يُشبه كريم ولا ريهام...
هل هي طفرة جينية؟
أم أنها... ليست ابنة ريهام أصلًا؟
تذكرت هبة قولها " حتى شعركِ بدأ يغزوه بعض الشيب. "
هل كان هذا لونه من الأساس؟
تساؤلات كثيرة انهالت على عقل هبة،
فأسرعت بالضغط على زر تفريغ المسبح، وآخر لفك وثاق الفتاة المقيدة.
تم تفريغ المسبح في ثوانٍ،
ليظهر جسد سيرين في القاع، تحاول التقاط أنفاسها.
رفعت سيرين رأسها بصعوبة، فرأت امرأة تُصوّب السلاح نحو هبة.
ابتسمت ابتسامة خافتة وقالت بصوت متقطع:
"إنكِ حقًا أمّها...
تلك العينان المصممتان على الانتصار...
أنتِ ريهام... أليس كذلك؟"
-سعال متواصل-
وبالرغم من الاختناق، تابعت:
"قلتُ لك يا هبة...
أنتِ مغفلة، تنظرين للأمور من جهة واحدة فقط..."
كانت نظرة الدهشة تملأ ملامح هبة:
– لقد كان فخًا... مع ذلك، أريد أن أعلم، كيف بقيتِ على قيد الحياة؟
على الأقل يجب أن تكوني فاقدةً للوعي، أو عاجزةً عن التنفس بسبب برودة الماء...
من أنتِ بحقك؟
حتى الركلة التي ركلتِني بها... أنتِ فتاة خطرة!
قاطع تفكير هبة صوت ريهام:
– هل ظننتِ أننا انتهينا؟
ارفعي يديكِ ولتجثي على ركبتيكِ.
بدأت هبة بالتراجع قليلًا، وهناك ابتسمت سيرين وهي تتذكر الخطة التي نصبتها رغد.
عندما أصرت رغد على ريان أن يأخذها إلى مكان أمها، لم ترضَ سيرين أبدًا بترك رغد هكذا، واقترحت أن تذهب هي بدلًا منها:
– لدي صبغة شعر سوداء... أستطيع أن أصبغ شعري وأضع عدسات سوداء.
أمكِ لم ترَكِ منذ زمن، فلن تتعرف عليّ بسهولة، وحتى خاطفها لن يعرف أني لستُ ابنتها.
بدأت رغد بالتفكير العميق، فمن ناحية القوة وأسلوب التحقيق، تتفوق سيرين في المهارة.
– سأذهب أنا لعمي متنكرةً لأخذ معلومات أكثر عن القضية، وسأضع سماعات في أذني، وسيكون معكِ لاقط.
سنذهب ثلاثتنا بعد أن أجمع المعلومات من عمي.
ستنزل سيرين مع ريان، وغالبًا سيكون هناك فخ ما للإيقاع بها، مما سيجعلها رهينة تحت يد القاتل.
ولكن مع ذلك، سنستغل ذلك ونحاول استجوابه.
تبقى المشكلة إن فطن لوجود لاقط الصوت... إن دمّره، فسنفقد وسيلة الاطمئنان على سيرين.
في تلك اللحظة، سنقتحم المكان بكل قوة لإخراج سيرين.
ولكن إن استطاعت سيرين جلب اعتراف من القاتل بخطف أبي وأمي، سيكون لدينا دليل قاطع وسندخل بسرّية كي نضمن سلامتها.
قاطعت سيرين الكلام:
– وماذا إن حاول قتلي؟ أو تعذيبي؟
ردّت رغد بثقة:
– ستنقذك أمي.
لقد أرسلت لي هذه الرسالة وهي تعلم أني سآتي... لقد وضعت كل هذا في حساباتها.
لا بد أن لديها خطة للنجاة.
إضافة إلى خطتنا، سنكون نحن المنتصرين بالطبع.
حتى وإن لم تنقذك أمي، أعدك أني سأنقذك بحياتي.
ومع ذلك... أنا أثق بأمي.
لم يكن هناك شيء واضح لسيرين، ولكنها فقط قررت الوثوق برغد.
حتى وهي تلفظ آخر أنفاسها، كانت على يقين أنه سيتم إنقاذها.
والآن، ريهام موجّهة فوهة مسدسها على رأس هبة، وسيرين ما زالت على قيد الحياة.
أخرجت هبة مسدسًا من جيبها لتهدد به ريهام:
– أستموتين الآن؟ قبل أن تلقي ابنتكِ؟
هذا مؤسف جدًا للغاية...
– صوت اندفاع قوي –
فتحة التهوية في الأعلى انفتحت، وقفزت منها فتاة لتسقط باتجاه الأرض.
نزلت رغد والغضب يملأ عينيها، وأخرجت المسدس الذي أعطاها ريان من جيبها، ورفعته على رأس هبة:
– ارفعي يديكِ للأعلى، فأنتِ رهن الاعتقال.
نظرت سيرين إلى رغد وقالت في نفسها:
"ما الذي تفعله هذه هنا؟
لماذا جاءت وحدها؟
ما الذي يفعله ريان؟
هل تعطل لاقط الصوت عندما انغمرتُ في الماء؟
هل كانت ستضحي بنفسها بذلك الشكل الغبي؟"
اقتربت رغد من هبة، وبالفعل رفعت هبة يديها للأعلى، وفي لحظة تم انتشال مسدسها منها.
نظرت هبة خلفها فإذا بسيرين خلفها.
لم تفارق الدهشة تعابير هبة؛ لقد استغلت تلك الفتاة لحظة دخول صديقتها للخروج من المسبح والالتفاف حولها!
أي سرعة بديهة تلك؟
كيف تستطيع الحراك من الأساس؟ غيرها من المفترض أن يفقد وعيه على الأقل!
من هاتان الفتاتان؟ إنهما رائعتان حقًا.
جثت هبة على ركبتيها بينما يُوجَّه إلى رأسها ثلاث مسدسات.
والغريب أنها كانت فقط مهتمة بخلع حذائها.
مع أنها طويلة، إلا أنها كانت ترتدي حذاء كعب.
تكلمت رغد في اللاقط الذي تحمله:
– ريان، تستطيع الآن مداهمة المكان. سيرين آمنة، والخاطف تحت السيطرة.
اتبع الطريق الذي وضعتُ الإضاءات فيه.
والآن يا هبة، هل تملكين أي وصايا أخيرة؟
أغمضت هبة عينيها وأعلنت استسلامها، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم قالت:
– ثلاثة...
– اثنان...
– واحد!
صوت عالٍ أثار الضجيج في المكان... قنبلة صوتية!!
تبعها دخان كثيف ملأ المكان بأسره.
فقد كل منهم التركيز لوهلة.
بدأت ريهام تسعل وتحاول البحث عن رغد، ورغد كانت تحاول تتبع صوت أنفاس هبة، ولكن سمعها كان مشوشًا بسبب الضجيج المثار منذ قليل.
اقتحم ريان المكان بعد انقشاع كثير من الدخان منه، ولم يجد سوى رغد وريهام وسيرين في المكان.
ولم يبقَ من هبة... إلا حذاؤها، الذي خلعته قبل الانفجار بثوانٍ معدودة.
عصرت رغد ذهنها، لقد بات حلّ القضية أقرب من أي وقتٍ مضى.
"كنتُ على وشك القبض عليها... لكن، أين ذهبت؟!"
تساءلت سيرين في نفسها:
"لماذا لستُ مقيّدة الآن؟
قد أتفهم أنها أفرغت المسبح، لكن لماذا حررتني؟"
وفي الوقت ذاته، راود السؤال نفسه كلًّا من الفتاتين:
"أين ذهب ماء المسبح؟!"
لقد فرغ بسرعةٍ مهولة. من المؤكد أن هناك شيئًا في الأسفل...
بدأت سيرين ورغد تفتيش أرضية المسبح، حتى سألت رغد:
– سيرين، لقد ركلتِ هبة، أليس كذلك؟
أجابت سيرين: – نعم، لماذا؟
قالت رغد: – لماذا قيّدت يديكِ فقط؟ لماذا كانت قدماكِ حرّتين؟
حينها أدركت رغد الحقيقة قبل سيرين.
الطبقة الأخيرة من جدار المسبح الملاصقة للأرضية...
إنها تطوى إلى الداخل لتفتح طريقًا جديدًا، هو ذاته الذي تسرب منه الماء بسرعة.
صرخت رغد من مكانها:
– "رياااان! اهتمّ بأمي حتى أعود!"
هبة شعرت بالخطر، واكتشفت الفخّ عندما علمت أن الفتاة المربوطة لم تكن رغد.
تخلّت عن قتل سيرين وتقييدها، لتتمكن من الهرب في أسوأ الحالات.
كانت القنابل الدخانية والصوتية تتفعل بعد خمس دقائق من الضغط على زرّ تفريغ المسبح.
لقد كانت خطة طوارئ بالفعل.
خلعت هبة حذاءها ليسهل انزلاقها وسط الفوضى، وقفزت إلى المسبح، لتدخل من الفتحة السفلية.
دخلت رغد بالفعل، ووجدت سلمًا يقود للأسفل.
أوقفتها سيرين قائلة: – سأسبقكِ لأتأكد من سلامة الطريق.
نزلت سيرين، وكان السلم خشبيًا ومهترئًا، لكنها وصلت للأسفل.
نادَت رغد لتنزل، فأوقفها ريان، الذي أمرته ريهام بمرافقة رغد لحمايتها.
في الأعلى، بدأت الشرطة باعتقال المجرمين، وعثروا على ضحايا آخرين محتجزين في السرداب الضخم.
نزل ريان، رغم رداءة السلم، ووصل بنجاح.
تبعته رغد، لكن قدمها انزلقت، فاختل توازنها وسقطت.
أمسك بها ريان بسرعة: – "حمدًا لله أنكِ خفيفة، وإلا لما تمكنت من التقاطك.
لو أن سيرين هي من سقطت، لكنتُ تركتُها تموت، لن أضحي بحياتي بهذه السهولة."
-ضربة على رأس ريان-
قالت سيرين بتذمر: – "أنتَ مجرد أخ حثالة، لا أكثر ولا أقل."
كانت رغد جاثية على الأرض، تتفحص الطريق.
"سكة حديد؟ هل هذه مثل التي تسير عليها عربات المناجم؟
هل كانت هناك عربة أوصلت هبة إلى نهاية الطريق؟"
ركضت رغد، وخلفها ريان وسيرين، التي كانت تبكي لأن الأرض مبتلة والجري عليها صعب.
بعد ركض طويل، وصلوا إلى نهاية الطريق.
كانت هناك عربة قد استقلتها هبة، لتظهر بوابة تطل على الخارج.
إنه مخرج بعيد عن مدخل السرداب، لن تصله الشرطة في الوقت المناسب.
بمجرد خروج رغد، رأت هبة تصعد إلى مروحية، وتقول بدهشة:
– "أحسنتِ صنعًا باكتشاف ورقتي الرابحة الأخيرة، لكن لا فائدة من ذلك الآن.
لقد جئتِ متأخرة يا صغيرة.
يمكنكِ الاحتفاظ بحذائي كدليل على تفوّقي عليكِ."
وأقلعت المروحية.
اتصل ريان بالشرطة، لكنهم كانوا بعيدين.
ثم انفجرت المروحية في السماء، وقفز منها شخصان: هبة ومساعدها.
لقد كانت خطة بديلة للطوارئ.
واختفت هبة في الظلام، ولم يُعرف لها طريق.
لكنها عندما هبطت، ابتسمت وقالت:
"لقد اكتشفا خطةً أمضيتُ سنين أفكر فيها... واكتشفوها في خمس دقائق.
لقد كدت أخسر هذه المواجهة فعلًا."
عادت رغد إلى أمها، وأيّ شوقٍ كان في تلك اللحظة؟
فراق تسع سنوات كاملة انتهى أخيرًا.
عادت رغد لتعيش مع أمها، لترغد في دفء أحضانها من جديد.
لكن دفئها لم يستمر سوى ستة أشهر فقط، قبل أن تموت ريهام بسكتة قلبية.
بعد تلك القضية، ذاع صيت المحققة سيرين، التي نُسب لها حلّ القضية، في كل الضواحي.
لكن رغد أصرت على عدم ذكر اسمها أبدًا.
يكفيها أنها اجتمعت بأمها من جديد.
وأخيرًا انحل اللحن الخبيث لهذه القضية الصعبة .
وما زالت رغد تمارس التحقيق، لكن في الخفاء،
تطلب من ريان مساعدتها في تسريب بيانات القضايا التي تشغل اهتمامها.
فتحت رغد عينيها بعد كل ذلك لتعود للحاضر لتجد نفسها مقيدة أمام قيس،
بعد أن احتجزتها سارة بتهمة كونها رنيم.
قال لها قيس:
هل استيقظت أخيرًا؟
وقبل أن تنطق رغد قال لها قيس:
إياك وأن تفتحي فمك، فقد حُسم الأمر بالنسبة لي، لا أريد سماع أي من أعذارك.
وأعطاها ورقة كُتب فيها:
"أعلم أنك لست شريرة".
سألت رغد قيس:
أين سارة؟
لماذا لا أسمع صوتها في مكان ما؟
لماذا بدأ لحن هذه القضية يصبح مزعجًا بعد أن بدا نقيًا؟
لقد عرفنا بالفعل من القاتل، بسرعة أجبني أين سارة؟
بلعت رغد ريقها من شدة الخوف...
قيس، أرجوك أخبرني أنك تواري علي شيئًا ما.
لماذا فعلت تلك المغفلة ذلك؟! لماذا ذهبت بدوني؟
لقد أمرتها أن لا تفعل تلك الخرقاء شيئًا كهذا...
ثم نظرت رغد إلى يديها فتذمرت قائلة:
لحظة، لماذا أنا مكبلة إلى الآن؟ فك وثاقي الآن!
ذهبت رغد إلى مكانها بالأعلى تبحث عن هاتفها بسرعة، والقلق يجعل قلبها يخفق بسرعة أكبر.
كان قيس مذهولًا، فهذه ليست رغد التي يعرفها،
كانت رغد دائمًا مرحة وهادئة، مالها عندما أحست بالخطر يحوم حول سارة تلونت بالقلق حتى غطاها من أولها لآخرها.
ما أن وجدت رغد هاتفها اتصلت بريان:
ريان اسمعني، بدون أي دخول في التفاصيل، أحضر سيري وتعال إلى موقعي حالًا.
...
بعدما فقدت رغد وعيها عندما تم القبض عليها، أمرت سارة قيس أن يجلس معها في الغرفة حتى تستيقظ،
وأعطته رسالة كان فحواها ألا يدخل أي شخص الغرفة مهما كان إلا عند استيقاظ رغد،
وأن رغد ليست هي رنيم، وعليه اتباع أوامرها من الآن وصاعدًا.
وخرجت سارة لتجلس أمام البحر قليلًا،
كانت تحتاج إلى القليل من الهدوء لتحسم أمرها في كل ما يحدث.
لم تنسَ سارة الناس الذين قتلتهم أبدًا،
وخصوصًا بعد ما ظنت أنها وصلت لحل هذه القضية بالفعل،
ولكن هل من الصحيح أن أواجه الفتاة التي قتلت جميع أسرتها بدموية؟
خاصة أنها ليست بشرية الآن، وتستطيع قتلي بأبشع الطرق؟
أعلم أني أريد تحمل عواقب فعلتي تلك، بالعكس لقد كنت مقبلة على الذهاب لرنيم،
ولكن لماذا ترتجف يداي؟ بطني يؤلمني من شدة الخوف...
مجرد التفكير في أني سأذهب لألقى حتفي بأبشع الطرق... لن تقتلني بسهولة إن كانت تعرف أنني قاتلة عائلتها.
هي لا تظن أبدًا أنني مجرد محققة اكتشفت أمرها.
مع أن شعر سارة لم يتجاوز كتفها،
ولكنها أحست به يتطاير بعيدًا...
عندما اشتد الريح والموج، مما جعل سارة تخرج من خيالها لتنظر إلى منظر جميل:
تلك الشمس التي تضيء دنيانا،
تريد أن تغوص لتستكشف أعماق المحيط في منظر جميل لغروب الشمس،
بينما كانت بعض الغيوم تحيط بالشمس كأنها تودعها.
صوت الموج الذي بدأ يتعالى، والهواء الذي يدفع شعر سارة للخلف،
من انبهار سارة بهذا المشهد قالت:
ربما لن أراك مرة أخرى، أيتها الشمس، أيتها الغيوم، أيها البحر،
لن أسمع صوتك، أيها الموج، لن تداعبي شعري مرة أخرى، أيتها الرياح...
ومضت سارة نحو السجن لتقابل أحدهم للمرة الأخيرة،
إنه ذات الفتى الذي خطف قلبها...
ذهبت لليث بعدما طلبت أن تقابله لأمر ما،
مجرد دخول سارة لهناك جعل الجميع يظن أنها هناك لتحقق في أمر ما،
وهذا ما قالته لتقابل ليث.
وعندما رأت سارة ليث، كأنما رق قلبها له،
ولكن ملامحها الجادة لم تزل عن عينيها،
فكل ما قالته له هو أنها تنصحه بالاعتراف على تلك العصابة الملعونة التي أدت لكل ذلك،
وقتها على الأقل تعتقد أنه سيخفف حكمه قليلًا.
كان وجه ليث متهكمًا وهو يسمع لسارة،
بل كان يتمنى لو أن بيده سكينًا لينحر عنق سارة ويتخلص من كل ذلك،
ولكنه شعر بغبائه حقًا عندما رأى سارة تكتب له في ورقة:
"قد تكون تلك المرة الأخيرة التي أراك فيها..
مع كل ما حصل بيننا، ولكن قلبي يأبى أن يكرهك،
هذه المرة الأخيرة التي يمكنني أن أقول لك فيها بكل سعادة أنني بالفعل أحببتك."
كانت ملامح سارة الجادة والباردة تعود لأول مرة منذ سنوات،
تدمع عيناها مبتسمة بما فيه الكفاية لتسرق قلب ليث وجميع من في السجن.
تجلى الشعور بالخزي داخل ليث،
أنا أفكر في قتلها، وهي جاءت لهنا لتخبرني أنها تحبني؟
حتى بعدما أصبحت محققة لا يضاهيها أحد،
ما زالت تحبني؟
فتاة بهذا الجمال والذكاء والشهرة، هي حقًا فتاة أحلام كل شخص،
ومع ذلك كنت أنا أفكر بقتلها.
لماذا تقول أنها المرة الأخيرة؟ هل ستسافر لمكان ما؟
رفع عينيه ليجد سارة بالفعل أخذت الورقة التي كتبتها واقتربت من الخروج،
لم تكن سارة مغفلة، ولكنها وقعت في حب الشخص الخطأ.
وعند خروج رغد من السجن حدثت نفسها قائلة:
أنت تسمعينني يا رنيم، أليس كذلك؟
لقد لمستني كثيرًا، فبالتالي تستطيعين سماعي بوضوح، أليس كذلك؟
حتى سمعت صوت رنيم تقول لها:
إذًا لقد اكتشفت الأمر.
ردت سارة ببرود شديد:
بعد قليل ترقبي مقتل أحدنا!!
عادت سارة لمقر التحقيق، وأول ما فعلته تأكدت أنه لم يدخل أحد الغرفة التي بداخلها قيس ورغد،
بحيث أنها وضعت طلاء جديدًا على مقبض الباب،
وللآن ما زال الطلاء لم يجف بالكامل، فإنه إن لمس شخص مقبض الباب سيتضح ذلك،
وبما أنه اقترب من أن يجف فلم يفتح أحدهم الباب، ثم عاد ليطليه مجددًا.
ثم نادت سارة جلنار لتجدها نائمة وهي منهكة،
ذهبت سارة لتوقظها:
جلنار، ألا تستيقظين؟ أرجوك!
لقد عرفت من هي رنيم.. والآن أنا ذاهبة للقبض عليها، هل يمكن أن تأتي معي؟
مسحت جلنار عيناها كما يستيقظ الأطفال من النوم،
ثم قالت مستنكرة كلام سارة:
أوليست رغد هي رنيم؟
ردت لها سارة:
رنيم هي فتاة من اثنتين،
أولاهما هي رغد، أما عن الثانية فهي تسكن في مكان بعيد قليلًا،
ولكن يجب أن نقبض عليها احتياطًا.
وافقت جلنار تمامًا،
ولكن سارة حذرتها:
جلنار، الذهاب لهناك يعني أن الموت محتمل!! هل تخاطرين؟
ابتسمت جلنار ثم قالت:
إن كنت ذاهبة أيتها الزعيمة، فأنا سأذهب معك ولو كنا ذاهبين لحتفنا.
وخرجا متجهين لخارج القرية،
تحديدًا للسرداب الذي بجانب المقبرة!!
في طريقهما سألت سارة جلنار:
لماذا اقتنعت بأن رغد هي رنيم؟
لماذا لم تشكي للحظة؟
ضحكت جلنار بصوت عالٍ:
إن كنت أنت حقًا رنيم، ستكون معضلة صعبة حقًا،
ولكن من الغباء أن تشك مساعدة مثلي في رئيستها.
أرادت سارة أن تبتسم،
ولكنها نظرت بشفقة لجلنار،
ألم تستطع أن تعرف بعد كل هذا الزمان أن رغد هي رئيسة مقر تحقيقنا؟
وأنا مساعدتها؟
توقفت سارة عن التفكير لأنها بالفعل وصلت لهناك،
دخلت سارة ذلك المكان ووجدت بالفعل مدخلًا كما قالت رغد،
مدخل يكفي شخصًا واحدًا.
أمرت سارة جلنار أن تنزل للسرداب الذي بالأسفل قبلها،
وبالفعل كما أمرت سارة بدأت جلنار بالنزول، ولا تستطيع إزالة نظرة الخوف من عينيها.
بعدما نزلت لم تجد شيئًا،
مكان فارغ تمامًا، فنادت سارة قائلةً:
السرداب فارغ تمامًا.
نزلت سارة ببطء،
وعندما وصلت للأسفل أمرت جلنار بأن تجلس... رنيم ستأتي قريبًا.
لم تكن جلنار تفهم شيئًا،
ولكن اكتفت بالانتظار.
وما أن تشتت ذهنها للحظات سمعت صوت إطلاق رصاص،
ولكنها سمعت صوت الرصاصة بعدما اخترقت بالفعل رأسها....
نظرت جلنار لسارة بذهول،
لأن الشخص الذي أطلق الرصاصة كان (سارة).
كانت عينا سارة حادة ومرعبة بشكل لا يتصور،
ثم قالت بصوت حاقد:
أهلًا بك يا جلنار... أهلًا بك يا رنيم!!
وعلى عكس خطة سارة، فإن جلنار ابتسمت ابتسامة مفزعة،
ولكن أسنانها لم تكن موجودة،
بل كان فمها عبارة عن ظلام تام.
وبالتوالي على ذلك تحولت عينا جلنار للون الأسود!!
وبدأت تضحك بصوت مخيف،
كان صوتها يشبه صوت احتكاك حديد بحديد آخر.
إذًا لقد اكتشفت أمري بالفعل، أيتها الحقيرة.
هل تعلمين مدى كون رصاصة في الرأس مؤلمة؟
ستأخذ الكثير من الوقت لتتعافى.
بدأ الخوف يعتري سارة...
ما الذي يحدث هنا؟
هل يجب تهشيم رأسها تمامًا كما قالت رغد؟
وبعدما رمشت وجدت نفسها مُرحبًا بها في بعد رنيم الخاص بها،
أهلًا بك أيتها الجميلة.
هل تعلمين أنه بإمكاني الاحتفاظ ببعض الأغراض داخل هذا البعد؟
مثلًا تلك السلاسل، هل ترينها؟
أستطيع أن أجلبها لواقعكم.. ما رأيك في جمال بعدي؟
ماذا، ألا تسمعينني؟
اعذريني، فقد ملأت المكان بالغاز المنوم مسبقًا بغير قصد.
...
داخل أحلام سارة، فتاة تبكي دمًا...
أرجوك يا سارة، استيقظي، أرجوك أنقذيني منها.
فتحت سارة عيناها، ولكنها لا ترى شيئًا،
حاولت تحريك جسدها ولكنه لا يتحرك،
ما هذا؟ هل أنا مقيدة بشيء ما؟
أظن أنني في البعد الخاص برنيم، لهذا يملأ الظلام المكان.
ضوء من بعيد يقترب،
إنها قداحة،
تستعملها جلنار لتشعل شيئًا،
بينما تقول:
أو استيقظت أخيرًا؟
انتظرت ثلاث ساعات كاملة لأسمع تحرياتك بالكامل.
مع أني تعمدت تلفيق التهمة برغد،
ولكنك لم تشكي بها، لماذا؟
قالت سارة باستهزاء:
من الغباء أن تشك مساعدة في رئيستها، أليس كذلك؟
منذ اللحظة الأولى التي قدمت فيها لمكتبي ورغد تعرف كل شيء،
ألا تذكرين؟
"ومدت سارة يدها لتسلم على جلنار، ولكن جلنار رفضت أن تمد يدها.
أحست سارة بالإحراج نوعًا ما، ولكن سرعان ما تدخلت مساعدتها رغد وضغطت على كتف جلنار بقسوة."
لقد أثرت شكوكي منذ اللحظة التي دخلت فيها لمكتبي متغطية بقلنسوة ووشاح حول رقبتك،
ولكن ما زاد شكوكي هو أنني عندما نظرت إلى عيني رغد التي تضغط على كتفك بقوة،
كانت عيناها مليئتان بالخوف والقسوة، لم أرَ رغد تنظر بهذه النظرة الجادة من قبل،
كادت عيناها تقتلك من شدة قسوة نظراتها،
لم تكن رغد لتنزل من مكانها بالأعلى إلا أنها أحست بخطر حقيقي،
عندما سألتها لاحقًا عما جرى أجابتني، والرهـب يملأ صوتها بالكامل:
"هذه الفتاة لا ينبض قلبها بغض النظر عن اللحن المخيف الذي ينسجه خيالي".
كانت رغد قادرة على السمع بشدة، بل كانت تستمتع إلى نبضات قلب من يحادثها لتعلم صدقه من كذبه،
وعندما رأيناك أنا وهي للمرة الأولى عرفنا من تكونين بالفعل، لم تبذلي جهدًا في التنكر حتى،
ولكن بقي سرك مجهولًا إلى أن أتانا قيس،
كنت تشبهين رغد بشكل كبير لدرجة أن رغد كانت تكره ذلك وتقول أنها ليست مجرد جثة متعفنة.
فعندما وصف قيس رنيم:
"وصف قيس الفتاة بأنها ذات طول تقريبًا،
ونفس طول الشعر،
أما عن ملامحها فقد كان يظهر أنها طفلة أكثر من رغد."
وعندما ظهرت تلك العيون لأول مرة وقالت:
"علمًا بأن هناك أربع ضحايا غيرها."
كنت أعدهم عدًا حتى مات ثلاثة فبدأت أرتاح،
ولكن العدد زاد إلى خمسة ضحايا بعدما أمسكت يدك عندما كنت أواسيك،
وقتها علمت أني الضحية الخامسة.
وفي تلك اللحظة، مع أن الأمر كان مفزعًا،
إلا أن رنيم ظهرت لكل شخص في مخيلته،
والشخص الوحيد الذي بدأ بالصراخ والبكاء كان أنت،
لم أظن للحظة أن هذا تمثيل،
ولكن عندما فكرت بالأمر من زاوية أخرى، فخوفك من أن تتقبلي الموضوع ببساطة فتكشفي،
جعلك تلعبين دور الشخصية الضعيفة باستماتة،
صرخاتك ملأت المكان، وأمسكت شعرك تشدينه حتى أنك استفرغت عدة مرات، أليس مبالغًا فيه قليلًا؟
مع أنك كنت تعلمين أننا نتعامل مع شيء غير بشري،
فرؤية شيء كهذا لا يجب أن تكون بتلك الرعب، يا عزيزتي.
تعمدت رغد أن ترسل قيس خلفك عندما قالت له:
" واذهب وانظر إلى أين ذهبت تلك الطفلة،
إن وجدتها خائفة فقل لها أن تبتعد عن هذه القضية،
لا وقت لدينا للعب الأطفال بينما هناك أرواح تهدر."
حتى تخبرني أنه في نفس اللحظة التي اختفت فيها رنيم عاد صوت أنفاسك يسمع،
هنا بالفعل كل ما كان ينقصني هو أن أتحرى عن ماضيك.
تعمدت طلب البحث عن هوية ذلك الشبح منك،
لأنني متأكدة أنك ستأتين بمعلومات عن نفسك،
لكي تجعليني أتذكر ما فعلته قبل سنوات.
لم ينقطع الشك باليقين لدي إلا عندما أشار فؤاد بيده اتجاه الشرق،
ظننته يشير إلى الطريق الذي قدمنا منه،
ولكنه كان يشير إلى قاتلته التي مثلت أمامه من العدم.
وقبلها حين دخلنا في البعد الخاص برنيم جميعًا،
كنت الوحيدة القادرة على الصراخ،
واختفت من ذلك البعد، وبعد اختفائك ظهرت رنيم،
لأنه لا يمكن أن تلتقي بنا بينما جسدك كجلنار موجود.
بعدها أرسلتك مع قيس بحجة جمع المعلومات،
ولكن كان الهدف الأساسي من ذلك هو ابتغاء دليل قاطع،
فوجدت رغد كتبت لي رسالة مكتوبًا فيها أن رنيم لا تستطيع قراءة ما نكتبه،
فاتفقنا على أن تذهب رغد لوليد بينما قيس معي،
وأن تخبرك بأن وليد سيخبرها كل التفاصيل التي كانت قد أخذتها منه مسبقًا،
لتعود بنفسها وتتأكد ما إن كنت ستقعين في الفخ وتقتلين وليد،
وبالفعل وجدنا وليد مقتولًا كما خططنا تمامًا،
كانت بقية الخطة في أن أبعد رغد عنك لكي لا تلمسيها،
فألقيت التهمة عليها بكل وضوح، وجعلت قيس يحتجزها لديه،
كان من المفترض أن تكون رغد هنا لنقضي عليك سويًا،
لأنها قالت أنك لن تموتي إلا بتهشيم رأسك،
ولكنني افترضت أن رصاصة في رأسك ستكون كافية بقتلك،
ولكني كنت مخطئة في ذلك.
أنارت جلنار المكان وقد تمثلت في هيئتها السابقة عندما كانت بشرية،
وقامت تضحك باستمرار:
أتظنين أنكما تستطيعان قتلي؟
هل تظنين أنك ستنجين أنت وقيس إن قتلتموني؟
لا يا عزيزتي، يتحقق شرط القتل عندما ألمس من أريد قتله بنية قتل،
حتى إن قتلتيني ستموتين معي،
والآن ما رأيك في أن أعذبك قليلًا؟
...
وصل ريان مع سيرين واستقبلهما قيس،
ودخلا ليلتقيا برغد التي أنشأت اجتماعًا طارئًا.
بدأت رغد بدون أي مقدمات طويلة:
بكل اختصار، سارة في خطر،
إنها تواجه شيئًا غير بشري، بل هو أشبه أن يقال عنه وحش،
ذهبت تقاتله بمفردها.. أريدكم أن تساعدوني في إنقاذها.
تذمرت سيرين وقد كانت تغار من سارة لأن رغد رفضت أن تحقق مع سيرين واختارت سارة، ثم قالت:
بما أنها ذهبت لحتفها بنفسها،
لا يهمني وإن كانت أسنانها ستقتلع سنًا سنًا.
أردف ريان قائلًا:
أريد مساعدتك بالفعل، ولكنني لا أعتقد أني جاهز للموت الآن.
وافقهما قيس القول بأن الذهاب إلى هناك هو مجرد انتحار.
غضبت رغد وقامت تصرخ بشدة:
إذا لم تريدوا أن تذهبوا معي، اذهبوا للجحيم!
سأذهب لأنقذ سارة بنفسي، ولكن إن مت وقتها فلا أرجو منكم حتى زيارة قبري أو ذكر اسمي على ألسنتكم.
ثم نهضت رغد متجهة للباب.
أمسكت سيرين يديها وقالت:
سأفديك أنت بحياتي أنا وريان.
لا شأن لي بسارة تلك، ولكن إن كنت عازمة على الذهاب، أنا ذاهبة معك لتكتمل هذه القضية.
قالت رغد والخوف يملؤها:
في الواقع، هذه ليست أشبه بقضية... إنها حرب، إما أن نعود على قيد الحياة أو لن يبقى منا أحد.
...
في ظلام حالك لا يرى فيه شيء ولا يسمع غير صوت الدماء تتساقط من سارة،
بعد ركلات ولكمات كثيرة أصابتها بها جلنار، وسكين مغروز في كتفها،
بدأت سارة تنهار من الإنهاك،
ولكنها ظلت متمسكة بكلمات معينة:
"حتى ولو قتلتني، فلن تتركك رغد على قيد الحياة،
ستجد طريقة ما لتقتلك شر قتلة،
إياك والاستهانة بها لمجرد أنها تضحك دائمًا،
ستطاردك حتى يكتمل اللحن الذي تعزفه،
ستطاردك حتى تموت قهرًا."
ركلت جلنار سارة بقوة وقال بصوت مرتفع:
لن تستطيعوا قتلي ولو اجتمع ضدي كل من تثقين بهم،
أنا فتاة أتت من قعر الفراغ للانتقام.
نظرت سارة لها باشمئزاز:
عليك بخفض صوتك، إياك وأن تنسي الشخص الذي تخاطبينه،
أنا المحققة الأفضل على مر التاريخ، لم يكن المستحيل في قاموسي موجودًا.