رواية جابر – رحلة فتى البصرة في طلب العلم (2 زائر)


أيمن كناني

وتشاءُ أنت من الأماني نجمةً ويشاء ربّكَ أن يُناولك القمر .
إنضم
17 مارس 2020
رقم العضوية
10845
المشاركات
7,694
الحلول
1
مستوى التفاعل
30,076
النقاط
1,188
أوسمتــي
11
العمر
24
توناتي
5,222
الجنس
ذكر
LV
2
 
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته أعضاء و زوار المنتدى الكرام طبعا لي فترة ما نشرت موضوع في أنمي تون واليوم جبت ليكم رواية من تأليفي
بعنوان جابر الرواية لسى ما انهيتها حتى الآن بس مجهز منها كم فصل بشاركها معاكم طبعا كل ثلاث ايام بحاول انشر فصل منها و شكرا


vi757jQ.jpeg

اسم الرواية : جابر
التصنيف : دين , دراما , مغامرة , مناظرات , تعليمية
الحالة : مستمرة
عدد الفصول : غير معروف
موعد نشر الفصول : كل ثلاثة ايام ان شاء الله
الكاتب : أيمن كناني

القصة :

رواية جابر تحكي قصة فتى طموح في البصرة يسعى لطلب العلم الشرعي. تتضمن القصة دروسًا شرعية وعلمية داخل سياق الأحداث، وتسلط الضوء على نمو جابر الروحي والعقلي، وقيم الاجتهاد، الصبر،والتقوى. رحلة جابر تقدم العلم الشرعي بطريقة مشوقة، تجمع بين التعلم والروحانية، لتكون نموذجًا للسعي وراء المعرفة الدينية والارتقاء الأخلاقي

الفهرس :


الفصل الأول : مناظرة الذُّل




 
التعديل الأخير:

أيمن كناني

وتشاءُ أنت من الأماني نجمةً ويشاء ربّكَ أن يُناولك القمر .
إنضم
17 مارس 2020
رقم العضوية
10845
المشاركات
7,694
الحلول
1
مستوى التفاعل
30,076
النقاط
1,188
أوسمتــي
11
العمر
24
توناتي
5,222
الجنس
ذكر
LV
2
 
الفصل الأول :
العنوان : مناظرة الذُّل
في حلقة المسجد

أما بعد، فإن الله تعالى قد جعل الناس طرائق قِدَداً، ومراتب شتّى، فمنهم من حباه بسرعة الحفظ فكان كالوعاء المُحكم لا يتفلّت منه شيء، ومنهم من ابتُلي بثقل الذاكرة فكان كالغربال يدخله الماء ولا يمسكه.
وفي مسجد البصرة العتيق، حيث تتعالى أصوات الذاكرين وتُشرق أنوار العلم على وجوه الطالبين، كان جابر بن عبد الرحمن، فتىً في السادسة عشرة من عمره، نحيل الجسم، كسيف الملامح، عميق النظرة، يجلس في آخر الحلقة كأنما يتوارى عن الأعين، والهمُّ قد علاه والكربُ قد غشاه.

كان الشيخ أبو الحسن المالكي، رجلاً في الخمسين من عمره، أبيض اللحية، مهيب الطلعة، يُلقي درسه في الفقه، والطلاب حوله كالنجوم حول البدر. وكان من بين هؤلاء سليم بن مروان، فتىً في السابعة عشرة متوقد الذهن، سريع البديهة، قد حفظ المتون وأتقن الأصول، وكان لسانه كالسيف صقيلاً، وحجته كالبرهان جليّة، لكنه وا أسفاه قد مُلئ كبراً وعُجباً.


قال الشيخ: "يا جابر، امرأة توضأت ثم لبست خفيها، ثم أحدثت، فهل يجوز لها المسح عليهما؟"

فتلعثم جابر وقال: "نعم يا شيخنا... يجوز... والله أعلم..."

فانبرى سليم كالأسد الضاري، وقال: "أخطأت يا جابر! فالشرط أن يلبسها على طهارة كاملة! فإن أحدثت قبل إكمال اللبس لم يجز المسح! وهذا مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة! أما الأحناف فقالوا: يكفي أن يلبس إحداهما على طهارة! فأين علمك يا جابر؟"
فضحك بعض الطلاب، وأطرق جابر خجلاً، وجرى في صدره ما جرى من الغيظ والحسرة.

قال الشيخ موبّخاً: "يا سليم، إياك والكبر، فإنه أول ذنب عُصي الله به. العلم نور، والكبر ظلام، فكيف يجتمعان؟ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}."
لكن سليماً لم يتعظ، بل زاده ذلك حنقاً، فهمس: "سأُريه اليوم من أين تُؤكل الكتف."

التحدّي

ولما انفضّت الحلقة، أدرك سليمٌ جابراً عند باب المسجد، وناداه بصوتٍ عالٍ: "يا جابر! يا من يدّعي طلب العلم! أتجرؤ على مناظرتي في الفقه؟ أم أن جبنك قد بلغ مبلغ عجزك؟"

فتوقف جابر، وسرى في عروقه دمٌ حار، والتفت وقد اشتعلت في عينيه نار الإباء، وقال: "أقبل يا سليم. والله المستعان."

فقال سليم: "بعد صلاة العصر، في ساحة السوق، أمام الناس! ولنجعل بيننا حَكَماً! فليكن برهان بن سعيد أفقه طلاب الحلقة!"

وكان برهان فتىً في الثامنة عشرة، هادئ الطباع، عميق الفكر، قد نال احترام الجميع بعلمه وورعه، فقال: "إن كنتما تريدان الحق والعلم، فأنا أقبل. وليكن الله شاهداً أني لن أحابي أحداً."

في ساحة السوق - المناظرة تبدأ

اجتمع الناس في ساحة السوق: الرجال والنساء والشيوخ والشباب، وجلس برهان على مصطبة عالية، وسليم وجابر أمامه.

قال برهان بصوت واضح: "بسم الله نبدأ. المناظرة في أبواب الفقه، وسأسأل كليكما، ومن أجاب إجابة صحيحة مفصّلة فله نقطة. وإياكما والكذب أو التدليس، فإن الله مطّلع عليكما."
المسألة الأولى - في الطهارة:
قال برهان: "رجل استيقظ من نومه المستغرق وهو متوضئ، فهل عليه إعادة الوضوء؟ ولِمَ؟ وما هو الدليل؟ وما الخلاف في المسألة؟"

فانتفض سليم وقال: "نعم يعيد وضوءه! فقد قال صلى الله عليه وسلم: (العينان وِكاء السّه، فمن نام فليتوضأ)، والحديث رواه أبو داود والترمذي. والنوم المستغرق المُزيل للشعور ينقض الوضوء عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة! أما الأحناف فقالوا: لا ينقض النوم بذاته، وإنما ينقضه ما يخرج منه، لكن النوم مظنّة الخروج، فإن نام مستلقياً أو مضطجعاً انتقض، وإن نام قاعداً متمكّناً لم ينتقض، لأن المقعدة محفوظة! وهذا تفصيل دقيق يا برهان!"

قال برهان: "صحيح. ولك نقطة. والآن يا جابر، ما قولك؟"

فتلعثم جابر وقال: "النوم... ينقض الوضوء... لأن..."

فقاطعه سليم ساخراً: "لأن ماذا يا جابر؟ أين الدليل؟ أين الخلاف؟"

قال برهان بحزم: "دعه يكمل يا سليم! تكلّم يا جابر."

فقال جابر بصوت خافت: "الحديث... حديث صفوان بن عسّال... أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا... ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إذا كنا مسافرين... واليوم والليلة إذا كنا مقيمين... من غائط وبول ونوم..."

فقال برهان: "هذا صحيح في ذكر النوم ناقضاً، لكنه لم يذكر الخلاف والتفصيل. فالنقطة لسليم!"

وهتف الناس: "سليم! سليم!"

المسألة الثانية - في الصلاة:
قال برهان: "رجل صلى الظهر أربع ركعات، ولكنه نسي أن يجلس للتشهد الأوسط، فقام مباشرة إلى الركعة الثالثة. ماذا يفعل؟ وما الحكم؟ وما الخلاف؟"

فقال سليم بثقة: "إن كان قد استتم قائماً لم يرجع، وإلا وجب عليه الرجوع! فإن لم يرجع عمداً بطلت صلاته عند المالكية! أما الشافعية فقالوا: يسجد للسهو في آخر الصلاة، لأن التشهد الأوسط سنّة عندهم وليس واجباً! والحنابلة قالوا: واجب، فإن تركه عمداً بطلت، وإن تركه سهواً سجد للسهو! والأحناف قالوا: واجب، ويجبره بسجود السهو! وهذا من دقائق الفقه يا برهان!"

فقال برهان: "ممتاز يا سليم. لك نقطة أخرى. والآن يا جابر؟"

فصمت جابر، ونظر إلى الأرض، لا يستطيع الإجابة.

فقال برهان: "لا إجابة؟ إذن النقطة لسليم!"

المسألة الثالثة - في الزكاة:
قال برهان: "رجل يملك مئتي درهم من الفضة، ومرّ عليها الحول، لكنه أنفق خمسين درهماً في شهر ذي الحجة قبل تمام الحول بشهر. فهل عليه زكاة؟"

فقال سليم: "نعم! عليه زكاة المئتين! لأن نصاب الفضة مئتا درهم، وقد ملكها حولاً كاملاً! وما أنفقه في أثناء الحول لا يمنع وجوب الزكاة، مادام النصاب كاملاً عند بداية الحول! والجمهور على هذا! إلا أن الأحناف قالوا: إن نقص النصاب في أثناء الحول انقطع الحول، ويبدأ حولاً جديداً عند عودة النصاب! فإن كانت الخمسون المنفَقة أنقصت المال عن النصاب أي أصبح المتبقي مئة وخمسين فلا زكاة عند الأحناف! لكن الجمهور يقولون: الزكاة واجبة!"

قال برهان: "تفصيل رائع! لك النقطة! يا جابر؟"

ففتح جابر فمه، لكن لم يخرج منه صوت، ثم قال: "أنا... لا أعلم يا برهان... أنا..."

فقال برهان بحزم: "ثلاث مسائل، وثلاث نقاط لسليم، ولا شيء لجابر!"

المسألة الرابعة - في النكاح:
قال برهان: "امرأة تزوجها رجل بمهر قدره عشرون ديناراً، ودخل بها، ثم طلّقها قبل أن يدفع لها المهر. فماذا لها؟ وما الحكم إن طلّقها قبل الدخول؟"

فقال سليم: "إن طلّقها بعد الدخول فلها المهر كاملاً، بالإجماع! لقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}! أما إن طلّقها قبل الدخول وقد سمّى لها مهراً، فلها نصف المهر! لقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}! وإن طلّقها قبل الدخول ولم يسمِّ مهراً، فلها متعة - وهي هدية تُعطى لها - على الموسر قدره وعلى المقتر قدره! وهذا بنص القرآن الكريم! {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}!"

فهتف الناس: "الله! الله! ما أفقه سليم!"

قال برهان: "صحيح تماماً! لك النقطة!"
ثم التفت لجابر: "وأنت يا جابر؟"

فنظر جابر إلى الناس، ورأى الشفقة في عيونهم، والدموع بدأت تترقرق في عينيه، فقال بصوت مختنق: "أنا... لا أحفظ... يا برهان..."

الشفقة والخسارة

وفي وسط الجمع، كانت امرأة محجّبة، وبجانبها طفلة صغيرة براءة الوجه اسمها زينب، في الخامسة من عمرها
نظرت زينب إلى جابر وقد سالت دموعه، فهمست لأمها: "يا أمي، لماذا يبكي؟"

فقالت أمها: "يا بنيتي، الدنيا فيها الظالم والمظلوم، لكن الله مع الصابرين."

فصرخت زينب بصوتها الطفولي: "لا تحزن أيها الفتى! الله معك!"

فالتفت الناس إليها وابتسموا، لكن سليماً لم يكترث.

المسألة الخامسة - الضربة القاضية:
قال برهان: "مسألة أخيرة. رجل مسافر من البصرة إلى الكوفة - والمسافة بينهما يومان - فهل يجوز له الجمع بين الظهر والعصر؟ وما الشروط؟ وما الخلاف في تعريف السفر المبيح للقصر والجمع؟"

فقال سليم بفخر: "نعم يجوز له الجمع! فالسفر من رخص الله تعالى! وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في السفر! لكن الخلاف في تعريف السفر! فالشافعية قالوا: السفر المبيح أربعة برُد، أي ستة عشر فرسخاً، أي حوالي تسعين كيلومتراً! والمالكية قالوا: ثمانية وأربعون ميلاً، وهو قريب من قول الشافعية! والحنابلة قالوا: أربعة برد أيضاً! أما الأحناف فقالوا: ثلاثة أيام بسيرها أي حوالي خمسة وثمانين كيلومتراً أو أكثر! ومن شرط الجمع عند بعضهم: أن يكون سائراً، أو أن ينوي السفر! والجمع إما جمع تقديم يصلي العصر مع الظهر في وقت الظهر أو جمع تأخير يصلي الظهر مع العصر في وقت العصر! وهذا من فقه السفر!"

فصفّق الناس وهتفوا: "سليم! سليم! لا أحد يضاهيك!"

ثم نظر برهان إلى جابر، ورأى الدموع تنهمر من عينيه، فقال بصوت حزين: "يا جابر... هل لديك إجابة؟"

فهز جابر رأسه نفياً، وقال: "لا... لا أعلم يا برهان... لقد خذلتني ذاكرتي..."

فقال برهان وقد قام واقفاً: "انتهت المناظرة! خمس مسائل، كلها لسليم، ولا شيء لجابر! سليم هو الفائز!"

فهتف الناس: "سليم! سليم! ما أعظم علمك!"

وضحك سليم ضحكة انتصار، وقال: "لقد أثبتُّ لكم أنه ليس أهلاً لطلب العلم!"

الوحدة والألم

انفضّ الجمع، وأخذت أم زينب بيد ابنتها، لكن زينب نظرت خلفها إلى جابر وقد بقي وحيداً، وهمست: "يا رب، انصره."

بقي جابر واقفاً، الشمس تغرب والظلال تطول، الدموع تجري على خدّيه، والألم يعتصر قلبه.
قال في نفسه: "يا رب، لماذا أنا ضعيف الحفظ هكذا؟ لماذا لا أستطيع أن أحفظ كما يحفظ سليم؟"
لكن صوتاً في داخله قال: "لعل الله أراد لك طريقاً آخر... طريقاً فيه التأمل لا مجرد الحفظ... طريقاً فيه الفهم العميق لا مجرد الترديد... فلا تيأس يا جابر."
فرفع رأسه إلى السماء وقال: "لن أستسلم. والله لأطلبنّ العلم حتى أصير عالماً... ولو بعد حين!"

قال الحكيم: "إن العلم ليس بكثرة الحفظ، وإنما العلم بالفهم والتدبّر والعمل. فكم من حافظ ليس بفقيه، وكم من فقيه قليل الحفظ! والله يُؤتي الحكمة من يشاء، ومن يُؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً."

{وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}


يُتبع في الفصل الثاني: رحلة الفهم
 

المتواجدون في هذا الموضوع

المواضيع المتشابهة

أعلى أسفل